في الوقت الذي تشير فيه بعض التوقعات، بما فيها توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن أسعار النفط في طريقها للهبوط مع نهاية العام الجاري نتيجة لعوامل عدة تأتي في مقدمتها مسألة العرض والطلب، وبالأخص بعد نمو أقل من المتوقع للاقتصاد الصيني وسعي بلدان منظمة "أوبك" لخفض الأسعار من خلال زيادة الإنتاج، فإن أسعار النفط تتأرجح نتيجة لعوامل عدة. وإذا كانت مؤشرات العرض والطلب في أسواق النفط العالمية متوازنة في الأسواق العالمية، فإن هناك عوامل أخرى تساهم في استمرار الارتفاعات في أسعار النفط، حيث سبق أن أشرنا إلى المضاربات، إلا أن هناك عوامل عدم استقرار جيو- سياسية تلعب دوراً مهمّاً في تصاعد أسعار النفط، وبالأخص بعد أن فرضت عقوبات صارمة على إيران شملت صادراتها من النفط. لقد جاءت هذه العقوبات في وقت يزداد فيه الاقتصاد الإيراني تدهوراً بسبب زيادة الإنفاق العسكري والتزامات إيران في دعم سوريا اقتصاديّاً، حيث يتوقع أن تنخفض عائدات النفط الإيرانية ابتداء من النصف الثاني من العام الحالي، وذلك بعد دخول مقاطعة شراء النفط الإيراني حيز التنفيذ عمليّاً التي بدأت بالفعل من خلال تخفيض مشتريات بلدان رئيسية، كاليابان وكوريا الجنوبية. ولذلك تحاول إيران تعويض هذا الانخفاض في العائدات النفطية الذي سيؤثر على معدلات النمو لديها وعلى التزاماتها الخارجية من خلال توتير الأوضاع في منطقة الخليج العربي في محاولة لرفع أسعار النفط. وبعد التهديدات المتواصلة بإغلاق مضيق هرمز، التي لم تجدِ نفعاً وذهبت أدراج الرياح، جاءت الزيارة الاستفزازية للرئيس الإيراني نجاد للجزر الإماراتية المحتلة لبث عدة رسائل يأتي من ضمنها أن إمدادات النفط معرضة للخطر. وكما هو حال التهديدات السابقة بإغلاق مضيق هرمز، فإن الرسالة الخاصة بزيارة نجاد لجزيرة أبو موسى الإماراتية، التي تحتلها إيران، سوف تفشل في إخافة بلدان العالم من إمكانية انقطاع إمدادات النفط من منطقة الخليج، علماً بأن حقائق التاريخ لا يمكن طمسها من خلال مثل هذه الزيارات، بدليل التضامن العالمي مع دولة الإمارات وسياستها السلمية الداعية إلى حل الخلاف عن طريق المفاوضات أو التحكيم الدولي. والسؤال المهم المطروح الآن هو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر زيارة نجاد على أسعار النفط؟ وما هو البديل لمثل هذه التوجهات الاستفزازية؟ وفيما يتعلق بالتساؤل الأول، فإن التأثير على أسعار النفط سيكون مؤقتاً وسريعاً ولن يفيد إيران كثيراً. أما البديل الذي سينعكس إيجابيّاً على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، بما فيها الأوضاع الاقتصادية في إيران، فإنه يكمن في الاستجابة لتوجهات دولة الإمارات السلمية، وبالأخص البيان الأخير لمجلس الوزراء الذي أكد على العلاقات التاريخية وحسن الجوار بين الجانبين. وفي الوقت نفسه، فإنه يمكن لإيران الاستفادة من التجربة التنموية الناجحة لدولة الإمارات ودول مجلس التعاون التي وضعتها ضمن البلدان الصاعدة الأكثر نموّاً، وذلك بدلًا من تصدير الأزمات للبلدان المجاورة ومحاولة حل التناقضات الداخلية من خلال توتير الأوضاع في منطقة الخليج العربي. وفي هذه الحالة فقط يمكن أن تحصل البلدان المصدرة للنفط على أسعار مناسبة، وأن تسخر عائدات هذه الصادرات لزيادة معدلات النمو وتحسين مستويات المعيشة، كما فعلت دولة الإمارات ودول مجلس التعاون، وخصوصاً أن سياسة سباق التسلح التي تعتمدها طهران في الوقت الحاضر تعتبر مضيعة للوقت والجهد ولا طائل من ورائها وتأتي على حساب التنمية والتقدم الذي يطمح الشعب الإيراني إلى تحقيقه أسوة بجيرانه على الضفة الأخرى من الخليج التي تستقبل مئات الآلاف من الإيرانيين للعمل والإقامة والتجارة مستفيدين من المعاملة الطيبة والتسهيلات المقدمة لإنجاز أعمالهم حيث لا يتوافر مثيل لها في بلدهم الذي يتمتع بثروات هائلة، إلا أنها مبددة ومستهلكة في سياسات إيديولوجية سبق أن فشلت في العديد من مناطق العالم.