على مدى عقود صدّع "الإخوان" رؤوس المسلمين بشعارهم الذي دغدغ مشاعر الكثيرين حتى أصبح البعض لا يقبل أي انتقاد لفكر الإخوان المسلمين فضلاً عن أحد أفراد هذه الجماعة... والحجة أن بيد هؤلاء القوم "الحل" الإسلامي والشرعي والرباني. ?اليوم بعد أن وصل "الإخوان" للحكم أو كادوا يصلون، نراهم وقد انقلبوا على مبادئهم وأفكارهم بل وحتى شعارهم الكبير فوضعوه جانباً حتى يحققوا مكاسبهم السياسية. وجاء محامي الإخوان في مصر ليعلنها صريحة وواضحة لكل من لديه شك فقال: "إن الإسلام هو الحل، هو شعار سياسي وليس دينياً". وقد استبعد تنظيم "الإخوان المسلمين" شعاره من حملة مرشحه لانتخابات الرئاسة الدكتور محمد مرسي، واستبدل به شعار "النهضة إرادة أمة"، وذلك تجنباً لمعركة قانونية مع لجنة الانتخابات الرئاسية.? إذاً كان "الإخوان" طوال عقود من الزمان يخدعون المسلمين ويوهمونهم أنهم دعاة دينيون وأن شعارهم ديني وليس سياسياً، وعندما حانت ساعة الحقيقة باعوا شعارهم بشعار آخر، ليدغدغوا به مشاعر المصريين في الانتخابات الرئاسية بما يناسب متطلبات المرحلة! فقط من أجل الوصول إلي الكرسي مستعدون للتخلي عن مبادئهم. فقد تخلى وزير الشباب والرياضة بحكومة المغرب الإسلامية عن شيء من مبادئه عندما قال إن المراهنات ليست قماراً ورفض حظر إعلاناتها التلفزيونية لأنها تجني مبالغ طائلة للدول ولأن هناك ثلاثة ‎ملايين مغربي يلعبون المراهنات.? أما راشد الغنوشي زعيم حزب "النهضة" التونسية الإسلامية فله مواقف كثيرة تدل على تبدل فكر الجماعة وتنازلها عن شعار "الإسلام هو الحل"، ففي أحد مؤتمراته الصحفية في مارس الماضي قال: في الصناعة أو الزراعة لا نلتجئ إلى الدين وإنما إلى الاجتهاد البشري، والأمر كذلك في ممارسة السياسة أي شؤون الحكم.. وهو نفسه الذي قال قبل شهر من هذا الكلام إنه ضد تحييد المساجد عن السياسة وتهميشها.? وخلال زيارته للولايات المتحدة في ديسمبر الماضي قال الغنوشي إن الإسلام في تونس "معتدل"، مشدداً على أنه مع حرية تغيير العقيدة والدين للأفراد في بلاده، ولدى سؤاله عن تصريحات سابقة له ضد وجود إسرائيل، وفيها إشادات بالعمل العسكري الفلسطيني، أجاب: "أود أن أركز هنا على تونس.. بلادي تعاني مشاكل كثيرة، وفيها مليون عاطل".? ?ألم يكن الجهاد فرض عين في فلسطين من وجهة نظر "الإخوان" ما فتئوا ينتقدون الدول العربية لاهتمامها بمشاكلها الداخلية وتجاهل القدس والاحتلال الإسرائيلي. وبعد أن وصلوا إلى الحكم، كيف أصبح المليون عاطل أهم من تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين!? إذاً كان الإسلام هو الحل للوصول إلي السلطة من خلال الترويج لفكرة إعادة الخلافة الإسلامية ثم التنازل عنها بحجة أن الخلافة وهم وأضغاث أحلام. وكان الإسلام أفضل حل لتضليل المسلمين وإقناعهم بأن هذه الجماعة دينية. لقد كان الإسلام هو الحل لاختطاف العقول، بل كان أفضل حل لتجنيد الشباب، وكان الإسلام هو الحل الأمثل لجمع الأموال في دول الخليج والدول العربية وإيهام المحسنين بأعمال الخير. الإسلام هو الحل لإقناع الأخيار والناس الطيبين بدعم هذا الفكر وتأييده. كان الإسلام هو الحل لحشد أكبر عدد من المتعاطفين مع هذه الجماعة. وكان الإسلام هو الحل للقضاء على الخصوم السياسيين. كما كان الإسلام هو أفضل حل للتصفيات الفكرية. وكان الإسلام هو الحل للتشكيك في كل الثوابت الوطنية والاجتماعية والثقافية والفكرية وحتى الدينية. الإسلام هو الحل لتخوين علماء الأمة والطعن في علمهم وإخلاصهم?. الإسلام هو الحل حتى يمكن استخدام المساجد لإيصال أفكار الجماعة بين جماهير الشعب المؤمنين. وهو الحل لاستغلال خطبة الجمعة والدروس الدينية لترويج أفكار الجماعة.? كان الإسلام هو الحل للطعن في الحكومات الواحدة تلو الأخرى ووصفها بالعلمانية والإلحاد والعمالة والفساد. وكان الإسلام هو الحل لأشياء كثيرة! لابد أن كل من سمع في يوم من الأيام أن "الإسلام هو الحل" عرف اليوم أنه شعار استغله "الإخوان" ولم يطبقوه ولن يطبقونه، لأنه ببساطة لا يمكن تطبيقه بالطريقة التي كانوا يتكلمون عنه. و"الإخوان" طوال العقود الماضية -وحتى هذه الساعة- يدركون ذلك لكنهم تعمدوا محاربة خصومهم في الفكر والسياسة، بل وحتى الحكومات بسلاح الإسلام والدين مستخدمين كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تدعمهم مستبعدين كل ما يخالف منهجهم أو يهز صورتهم.? عندما حانت ساعة الحقيقة وتسلم "الإخوان" الحكم وأصبحوا أعضاء برلمان وواضعي دساتير جديدة، تغيروا وأصبحوا يقولون، لا تعنينا الخمرة ولا البكيني ولا الدعارة ولا الشذوذ الأخلاقي، ولا الالتزام بالدين، ويدعون أن ما يعنيهم حالياً هو المواطن الذي لا يجد قوت يومه ويشرب من مياه المجاري، يقولون إن ما يركزون عليه حالياً إصلاح نظام الصحة والتعليم والاقتصاد، وأنهم مهتمون بتحجيم مشكلة البطالة المتضخمة..ويدعون أن ما يعنيهم اليوم هو الارتقاء بثقافة المواطن وبعقله وتفكيره حتى يبتعد عن الأمور المحرمة من تلقاء نفسه لا خوفاً من العقاب.. ويعطون الوعود بأنهم عندما يوفرون لكل مواطن عملاً شريفاً يكفيه ويكفي أسرته عندها سيقيمون الحد على من يسرق وعندما يوفرون للشباب وظائف محترمه ويعطونهم ما يكفل لهم الزواج ويمتنعون وقتها ويمارسون الرذيلة عندها سيقيمون عليهم الحد وعندما يوفرون اقتصاداً كاملاً مبنياً على البنوك الإسلامية ويستغنون تماماً عن البنوك الربوية ولا يؤثر إغلاقها على الاقتصاد عندها سيحاربون من يتعامل بالربا... فأين الإسلام هو الحل من كل هذا؟ ونقول كم ساذج بقي في العالم العربي كي يصدق هذا الكلام!? كم شوهت هذه الجماعات الإسلام وكم تتحمل من الإثم لما ارتكبته من أخطاء يدفع ثمنها الإسلام والمسلمون.? ??كان شعارهم الإسلام هو الحل، واليوم هم يروجون أن الديمقراطية هي الحل والتعددية والدولة المدنية!? لقد سقط شعار "الإسلام هو الحل" سقوطِاً مدوياً وفي وقت زمني قصير جداً، وأصبح واضحاً أنه شعار استغله "الإخوان" لتحقيق أهداف سياسية وقد ينجحون في ذلك إلي حين. أما ?الملفت أن الشعارات والتصريحات التي يطلقها "الإخوان" هذه الأيام تصريحات ليبرالية وبعضها أقرب إلى العلمانية، فكيف لم يعد "الإسلام هو الحل"، وهل أصبحت الليبرالية هي الحل؟ أفكر في حال المؤيدين والمتعاطفين مع "الإخوان" وكذلك شباب الجماعة وهم يرون قدواتهم يتنازلون عن شعارهم الرئيسي ويتخلون عن مبادئهم التي قاموا بالترويج لها وغرسها في نفوس أتباعهم. إن هؤلاء المتعاطفين والشباب بحاجة أن يخرجوا من المربع ليتمكنوا من التفكير بشكل صحي ومنطقي سليم في حقيقة هذه الجماعة. أعلم أن البعض قد يعتبر هذه الملاحظات وهذه القراءة هجوماً على "الإخوان" أو الجماعات الإسلامية، بل قد يعتبره البعض هجوماً على الإسلام ذاته، في حين أنها قراءة للأداء السياسي لهذه الجماعات، فقد تعود "الإخوان" وجماعات الإسلام السياسي على المدح والثناء لدرجة أصبحت لديهم "حساسية مفرطة" من أي نقد واصبحوا يتخذون موقفاً عدائياً من كل من لا يؤيدهم، لكنها كلمة حق ونقولها.