الجمعية العمومية لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات التي انعقدت الأسبوع الماضي، أقرت بعض التوصيات التي من شأنها تطوير عمل الاتحاد خلال الفترة المقبلة، وانتخبت مجلس إدارة جديد حمل وجوهاً جديدة قديمة أثْرت الساحة الثقافية في فترة ما. الجديد الذي حملته الجمعية غير الوجوه المتحمسة التي جاءت بها، هو زخم الحضور الشخصي أو (التوكيلات) مقارنة بالسنوات العجاف الأخيرة التي عانى فيها الاتحاد من ظاهرة عزوف الحضور والمشاركة وضعف نشاطاته وبرامجه، كذلك لفت الانتباه حضور الجيل الجديد في الجمعية ولو أنه كان محدوداً، وكانت العملية ستكون مثيرة للاهتمام والدعم أكثر لو أن هذا الجيل تقدم وشارك في تجربة الانضمام إلى عضوية المجلس وفرض صوته وطموحاته وساهم في العمل وتعلم متطلبات مؤسسته الثقافية التي سيتولى قيادتها في المستقبل القريب. لماذا عاد الوهج والاهتمام بالاتحاد من جديد؟ قد يكون مرد ذلك إلى الدورة السابقة للمجلس والتي يحسب لرئيسها حبيب الصايغ والأعضاء، أنهم أعادوا للاتحاد حضوره وتعدد نشاطاته وبريقه الإعلامي بعد فترة من التراجع. وقد يكون شعور المثقف أنه بحاجة لإعادة النشاط إلى مؤسسته الأهلية الأقرب إليه، يبحث عندها عن دور له، أو يسعى من خلالها إلى إثراء وتعزيز المشهد الثقافي في الإمارات بعد شعوره بأن العمل الثقافي الوطني أصابه ترهل وضعف، وأنه يعاني من "غربة" داخلية رغم وجود مؤسسات جديدة متعددة ومتنافسة أحياناً في هذا الميدان، لكن معظمها لا تشعره أنه ينتمي لها، أو أنه يمكنها أن تحتضنه وترعاه كشخص مبدع. اتحاد الكتاب يمكن أن يكون الوجهة المجتمعية الوحيدة التي حافظت على حضورها واستمرارية دورها -رغم تذبذب وضعف برامج عمل بعض مجالس الإدارات التي مرت به- مقارنة بجمعيات النفع العام الأخرى خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، حين كانت لها أصوات وتتنافس في النشاطات وخدمة التخصص، والعمل المجتمعي. والمتتبع للمشهد الثقافي خلال تلك المرحلة، والتي يمكن وصفها بـ"الذهبية"، لكثافة المشاركات وتنوعها وللحماس على العطاء، وأيضاً لحجم النشاطات... يجد أن اتحاد الكتاب هو أكثر مؤسسة شهدت حراكاً استمر سنوات طويلة، واستوعب اختلاف وجهات النظر بين مدارس أدبية وأخرى شعرية تقليدية وحداثية، وحماساً "شبابياً" طموحاً. بدأ ذلك الجيل يخوض تجربة جديدة حلم بها كثيراً، متأثراً بحالة المنطقة ونهضتها الثقافية آنذاك وتنوع تياراتها الفكرية، وأبجديات الثقافة والمشاركة والتفاعل التي قرأها وشاغلت أحلامه وسعى إلى تطبيقها. هذا التنافس والاختلاف دفعهم إلى اختيار ممارسات إدارية جرّتهم إلى تشابك وتصادم، وأوصلت أوضاعهم إلى قرارات صعبة مثل: تجميد العضوية، والانسحابات، وحل مجلس الإدارة، والذهاب إلى القضاء للفصل بينهم. وفي النهاية لم يمنعهم هذا الاختلاف من المحافظة على اتحادهم. وجلسوا في مراحل أخرى للعمل معاً ضمن فريق واحد. ولم يكن اتحاد الكتاب هو الجهة الوحيدة التي شهدت خلافاً ونقاشاً عرض لتحكيم قاعدة القراء والمهتمين بالشأن الثقافي، قد يكون هو الاختلاف الأشهر، لكن ندوة الثقافة والعلوم بدبي تعرضت هي الأخرى في بداياتها لطرح وجهات نظر مؤيدة ومعارضة حول جدوى وجودها وبرامج عملها. كذلك جمعية الصحفيين كان لها نصيب كبير من الهجوم والهجوم المضاد، فيما يتعلق بعمل الجمعية، ونشاطاتها وطموح المنتمين لها. وعندما نعيد قراءة الأوراق الثقافية، والأصوات الإعلامية لتلك المرحلة، نجد أسماء أدبية عديدة كانت تكتب المقال الأسبوعي وتطرح نقداً، وتدخل في نقاشات وردود مثل: غانم غباش، محمد المر، عبدالغفار حسين، عارف الخاجة، عبدالحميد أحمد، سلمى مطر سيف، وغيرهم. وإذا كانت مؤسسات العمل المجتمعي وهيئات النفع العام هي الأكثر تعرضاً للنقد، والحوار الذي يمكن وصفه بالجريء، فهناك قضايا وطنية عديدة دارت حولها نقاشات، واختلف حولها العديد من المثقفين والمفكرين والكتاب، ونشروا حولها وجهات نظرهم، مثل حرية الصحافة التي كانت محل نقاش طوال الأربعين عاماً الماضية، يقوى ويخفت. جامعة الإمارات، وهي المؤسسة التعليمية العليا الوحيدة في الوطن خلال تلك المرحلة، كانت هي الأخرى تمارس إشعاعاً ثقافياً ودوراً مجتمعياً رائداً، فبعض الأكاديميين المواطنين البارزين أثْروا الساحة الأدبية آنذاك بنقاشاتهم، وكانت هناك قضية أمن الخليج في مرحلة تاريخية حاسمة غيرت التوازنات الإقليمية بعد الحرب العراقية الإيرانية ثم الغزو العراقي للكويت. فكان الحوار متشعباً في نهاية التسعينيات حول المظلة الأميركية، وأمن المنطقة والمستقبل، وكان من أبطال النقاش عدد من الأكاديميين من خلال صفحات الرأي بصحفنا الرئيسية مثل: أنور قرقاش، وعبدالرحيم شاهين، ومحمد إبراهيم منصور، وسليمان الجاسم. وتسببت كارثة غزو العراق للكويت في خلاف بين مدارس صحفية حول كيفية تناول الأزمة، ودخل العديد من الكتّاب في حوارات وردود، ولو أنها كانت في حالات عديدة مغلفة بالرمزية والإشارات لحساسية الموقف. أما شجون التعليم وخطط مشاريع وزارة التربية، فمن أهم القضايا التي شغلت الساحة زمناً طويلاً، وأثارت جدلاً واسعاً حولها، وتبنت أغلب الصحف والمجلات، ولأول مرة، مواقف منحازة لوجهة نظر معينة، وتحديداً في المراحل التي تولى فيها الوزارة كل من سعيد سلمان، وأحمد حميد الطاير، وعلي عبدالعزيز الشرهان. تلك الحوارات الفكرية والقضايا الثقافية التي كانت تنشرها الصحف والمجلات كمادة رئيسية لها، والممارسات التي قد تكون في زمنها، خلقت شحناً، وسببت خلافاً مرحلياً بين الأشخاص. وعندما ننظر إليها اليوم نجد أنها كانت ظواهر صحية، طبيعية نهضت بالعمل المجتمعي، وأثرت الساحة وصقلت مهارات الذين شاركوا فيها، وقادت تجربتنا إلى مرحلة النضج، لأنها كانت خلافات شفافة، واضحة أهدافها للجميع. ولولا تلك الطروحات والاختلافات لما تمكنا من فهم بعضنا، وسماع غيرنا... ولسيطرت على العمل الثقافي والمجتمعي عندنا نظرة أحادية. سعيد حمدان shmitrif@yahoo.com