إذا كنت تحبس أنفاسك، كي ترى ما إذا كان "مت رومني" سيتجه نحو الوسط بعد أن انحصر السباق الانتخابي الرئاسي في رجلين هو والرئيس الحالي باراك أوباما، فيمكنك أن تطلق أنفاسك المحبوسة لأنه ببساطة لن يفعل ذلك. وقد حرص "رومني" على تأكيد ذلك في خطاب "النصر" الذي ألقاه بعد الانتخابات التمهيدية التي جرت في ولايات الشمال الشرقي من الولايات المتحدة. ولكن حملة المرشح الافتراضي ستركز بدلاً من ذلك، في الوقت الراهن على الأقل، وعلى نحو مستمر ربما، على ما يراه مقاربة خاطئة من جانب أوباما للاقتصاد. والرسالة التي يوجهها "رومني" في هذا الصدد يمكن اختصارها فيما يلي: إن أوباما يحبذ أسلوب التدخل الحكومي في الاقتصاد، وهو كما يقول"طريق يؤدي لجعل حياتنا تدار من قبل البيروقراطيين ومجالس الإدارات"... كما أنه طريق سيقودنا حتماً لـبطالة مزمنة، وديون باهظة، وأجور راكدة". أما هو- رومني- فيدعو- على النقيض من ذلك- للمبادرة الحرة غير المقيدة، والحكومة الأصغر حجماً، كما يدعو إلى أناس أحرار، يسعون للسعادة بطرقهم الخاصة والفريدة ،كل ذلك من أجل تشغيل المزيد والمزيد من الأميركيين". باختصار، يمكن القول إن "رومني" الذي وصف نفسه في بدايات الحملة بأنه"مفرط في محافظته"، يأمل في الفوز بالبيت الأبيض من خلال التركيز بشكل مكثف على صفته المحافظة المتشددة تلك. إن "رومني" الذي أعلن انتصاره في خمسة انتخابات تمهيدية الأسبوع الماضي، لم يكن هو "رومني" المعتدل، سليل التقاليد المحافظة، والحكومة الكبيرة للولايات الشمالية الشرقية، وإنما كان "رومني" آخر تشبه أفكاره أفكار أعضاء حركة "حزب الشاي"، كان "رومني" الذي يزداد "محافظة" على الدوام، والذي صادق على موازنة مجلس النواب الصارمة التي قدمها النائب "الجمهوري" بول دي.رايان (ويسكونسن). بهذا المعنى، يمكن القول إن خطاب "رومني" المشار إليه قد أكد شيئاً كنا نعرفه بالفعل، وهو أنه على الرغم من أن المرشحين الرئيسيين اللذين سيخوضان التصفية النهائية في سباق الرئاسة لهذا العام (أوباما ورومني)، قد وصفا ذات مرة بأنهما معتدلان، فالحقيقة أن تلك المعركة ستكون معركة شديدة الاستقطاب شأنها في ذلك شأن كافة المعارك التي كنا نراها دوماً: أي معركة بين سياسي محافظ يدعو للحكومة المصغرة، وآخر ليبرالي تقليدي يدعو للحكومة المكبرة. وهناك ثلاث نظريات تفسر سبب عدم اتجاه "رومني" ناحية الوسط، كما كان يتوقع، وهي نظريات تبدو صحيحة في مجملها، على الأرجح: الأولى: أن رومني وبعد حياة سياسية تميزت بتغيير المواقف، لم يعد بمقدوره ببساطة شديدة أن يقوم بشقلبة سياسية أخرى. الثانية: أن الانتخابات الرئاسية لا يمكن كسبها بمجرد التأثير على شريحة صغيرة من الناخبين المترددين الذين يقفون في الوسط، لأن النصر يتطلب استقطاب المؤمنين الحقيقيين في معركة شرسة على اجتذاب الناخبين. الثالثة: وهي الأسهل، أنه فيما يتعلق بالاقتصاد فإن رومني - الرأسمالي العملي، والمؤمن بالمبادرة الحرة حتى النخاع- كان محافظاً حقيقياً على الدوام. وإذا تمكن "رومني" من التشبث بوضعيته الحالية، ولم يمل ناحية الوسط، ولم يدفع ثمناً لذلك، فإن المتوقع أنه لن يتحدث عن شيء خلال الشهور الستة المقبلة، سوى عن فشل أوباما في عكس اتجاه الاقتصاد. وقد لخص كاتب خطابات "رومني" ذلك في عبارة بليغة لاذعة مصممة كي تعطي أصحاب القنوات الفضائية الفرصة لعرضها كتصريح مختصر سريع في سياق البرامج الإخبارية أو الحوارية وهي:"لا يزال الأمر متعلقاً بالاقتصاد... بيد أننا لسنا أغبياء". بالنسبة للخبراء الحزبيين المتخصصين في الحملات السلبية فإن خطاب "رومني" قدم مادة دسمة غنية لـ"الجمهوريين"، حيث أمكنه أن يقول فيه:"منذ أربع سنوات بهرنا أوباما بخطابه الذي ألقاه في رحاب أعمدة المعابد التاريخية اليونانية، عندما أمطرنا بوعود عديدة عن الأمل والتغيير". وأن يقول أيضاً: "ولكن بعد أن نزلنا للأرض... هل بات من الأيسر علينا أن نتدبر أمورنا؟ هل أصبح سعر لتر البنزين أرخص في محطات الوقود؟". ولم يتوقف "رومني" في هجومه على أوباما عند ذلك، بل راح يتبنى خطاب حركة "حزب الشاي" ناعتاً أوباما بأنه اشتراكي في الخفاء، وأن مشروع الرعاية الصحية هو قلب المؤامرة التي يحيكها. ومع ذلك، فإن الخطاب الذي ألقاه الأسبوع الماضي لم يتضمن سوى القليل من التفاصيل بشأن الكيفية التي سيقود بها الأمة الأميركية إلى ما أطلق عليه "تعاف اقتصادي قادر على خلق الوظائف"، وهو ما اعتقد أنه سيمثل التحدي الرئيسي له خلال الشهور المقبلة. فخلال هذه الشهور، على "رومني" إذا أراد أن يعزز فرصه في الفوز، أن يقوم - بالإضافة لإظهار سلبيات أوباما- بالتركيز على رؤيته هو، وأن يبيع للناخبين في نهاية المطاف ما ينوي أن يفعله عندما يدخل البيت الأبيض. وإذا أخذ "رومني" بالنصيحة التي يقدمها له حلفاؤه، وقدم للناخبين رسالة إيجابية واضحة، بالإضافة للمقولات المعتادة والثابتة في الخطاب اليميني التقليدي، وإذا استمر الاقتصاد على إيقاعه المتباطئ الحالي، فإننا نستطيع القول إن أمامه، فرصة طيبة للفوز بمنصب الرئيس في نوفمبر المقبل. دويل مكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"