حركة التغير التي يقودها الشباب تتسم بالسرعة، ومجتمعاتنا بشكلها الحالي تعجز عن فهم طبيعة الحراك الشبابي، ويميل كثيرون إلى وصف الحركات الشبابية بالاستهتار، بينما حقيقة الأمر أننا نحن من يستهتر بالحركات الشبابية، وبعضنا يميل إلى رميهم بصفات غير منسجمة مع مطالبهم لكوننا لا نفهم هذه المطالب، وهم كذلك يشعرون بالغضب لمحاولات تهميشهم وتغييبهم عن المشاركة في صنع قرارات مستقبلهم. وفي جلسة خاصة مع الزميل السفير المصري لدى اليونسكو أخذنا نحلل طبيعة تسارع الأحداث في مصر والمنطقة العربية، فكنا نتفق ونختلف في تحليلنا، إلا أن ما نجمع عليه هو تباعد مساحة الفهم بين جيلنا وجيل الشباب. وتذكرت بعضاً من الشعارات التي رفعت في مايو 1968 التي قادها الشباب في أميركا، فكان منها: "لقد طلبنا الإصغاء إلينا، ولكنكم رفضتم، وطالبنا بالعدالة، فسميتم ذلك فوضى، وطالبنا بالحرية، فسميتم ذلك انحلالاً". فكانت هذه الشعارات لا تختلف عن طبيعة الشعارات التي رفعت في ميدان التحرير لكون ما يحدث نتاجاً لما نسميه ثقافة شبابية تجمع شباب العالم على رغم اختلاف مشاربهم وأعراقهم، فقد استطاعوا عبر وسائل التواصل أن يوحد مطالبهم المعبرة عن شريحتهم التي يتجاهلها بعض صناع القرار في مجتمعاتنا لأنهم لا يثقون بقدراتهم وإمكانياتهم البناءة ولذا فكثيراً ما نجد الغضب يحل محل التفاهم وأحياناً يسود العنف نتيجة لتهميشهم. وتولي منظمة اليونسكو موضوع الحركات الشبابية أهمية ليس الآن فقط، وإنما يعود الاهتمام منذ أحداث 1968 عندما أصدرت مجموعة من الكتيبات كان منها "شباب 69"، و"الشباب الغاضب" وآخر عن تحت عنوان "الجيل الرافض". واليوم تعقد اليونسكو لقاءات دولية وتحاول أن تقارب فهم جيل الشباب لكي نتجنب العنف والفوضى أحياناً عندما يواجه الشباب باللامبالاة من بعض صناع القرار. وعلينا أن نقر بأن الصراع بين الأجيال واقع لا مناص من مواجهته، فالكبار راكموا المشاكل والأعباء دون التفكير في مستقبل الشباب الذي سيتحمل تبعات أخطاء الكبار، فعلى سبيل المثال قدرت الديون المتراكمة على دول الاتحاد الأوروبي بما يزيد على 9 بلايين يورو في عام 2010 وهذا يعني أن كل طفل يولد في أوروبا يعاني عجزاً ماليّاً في حدود 1700 يورو، وتعتبر هذه الديون عبئاً على من لا حيلة لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يحملهم الكبار عندما يتخذون قرارات دون التفكير في مستقبل بمن سيأتي بعدهم من أجيال من حقها أن تعيش حياة كريمة، وألا تتحمل أخطاء ليست شريكة في صنع قراراتها. ولعل في مقدمة من دفع الأمم المتحدة لعقد مؤتمر المناخ في 2005 بكندا هو ما يتعرض له العالم من تغيرات مناخية مضرة بالكرة الأرضية تأتي الحركات الشبابية التي تشكلت في أوروبا ومنها "حركة الشباب من أجل المناخ" وفي موقعها نجد الحكمة الهندية القائلة "إننا لا نرث العالم من أسلافنا، ولكننا نستعيره من أحفادنا"، فهذه الحكمة تعبر تعبيراً جليّاً عن المشكلة التي يواجهها الشباب ومفادها أنهم اليوم هم الذين سيدفعون نفقات نمط حياتنا المثقلة بالديون، والديون هنا ليست فقط بشكلها المادي وإنما السياسات العامة التي يدفع الشباب ثمنها لكونها لا تخدم مصالح الأمم بكافة شرائحها. ومن الجدير بالذكر أن شبابنا العربي يحمل الكثير من الأفكار الإبداعية إلا أن ما يواجهه من تهميش قد يدفعه نحو الانطواء أو الانحراف، واليوم على رغم وصول بعض من الحركات السياسية التقليدية التي لا تختلف عن بيئة النظم الرسمية كونها تحمل ملامح ثقافة الإقصاء، إلا أن هذه القوة الشابة ستعيد ترتيب أوراقها ولا يمكننا سوى أن نعترف بأن من حقهم أن يثوروا على من يريد إقصاءهم.