الزوج الأرعن يبيت النية لتطليق زوجته وأم أولاده، ويحمل سبباً سخيفاً لشيخه "المُفتي" طالباً فتوى للتطليق تشرعن قراره المُبيت. والشيخ المفتي قد ينظر للمرأة نظرة دونية احتقارية، بل قد يسوق تلك النظرة على البسطاء والجهلة على أنها "استشارات أسرية" دينية وعلى الهواء مباشرة عبر برنامج إذاعي، وهو لا يرى في مؤسسة الزواج علاقة متكافئة منظمة لاثنين من البشر، بل يراها ديكتاتورية صغيرة يقف الذكر على رأسها. وما أن يسمع السبب حتى ينفذ رغبة الزوج على الفور ويهديه فتوى تشجعه على تطليق زوجته. والزوج الفرح بالفتوى يلتقطها مباشرة ويطلق زوجته على الهواء مباشرة. هكذا وبسهولة فظيعة يقوم "المستشار الأسري" بتدمير أسرة وتشريد أبنائها عبر سلاح الفتوى الدينية، ومن دون حتى تطبيق أبجديات التحكيم الديني والدنيوي التي تفرض عليه الاستماع للطرف الآخر قبل إصدار حكمه وفتواه التدميرية. تفاصيل الخبر الذي نقلته قناة "العربية" ومنشور على موقعها الإلكتروني تقول ما يلي: "أقدم مواطن سعودي على تطليق زوجته على الهواء مباشرة بناء على فتوى من داعية ومصلح أسري، وذلك أثناء قيام المواطن السعودي بإجراء اتصال هاتفي بالداعية خلال برنامج «خفايا زوجية»، الذي يذاع على بانوراما إف إم". ودافع الداعية عن فتواه، حيث قال "إن ما عرضه عليه الزوج خلال حلقة اليوم كان كافيّاً لأن ينصحه بطلاقها، مؤكداً على أنه مقتنع بنصيحته ولا يرى فيها إفساداً للبيوت". وأضاف: "أنا لم أخطئ في نصيحتي للرجل لأن ما قامت به الزوجة من السفر بدون رضاه من جدة للرياض يعد أمراً خطيراً ومدعاة للشك". وتابع متحدثاً عن واقعة الطلاق: "اتصل بي الزوج في برنامجي ظهر اليوم وقال لي إنه رجل مقتدر ماديّاً ولا يريد أن تعمل زوجته وأنه يعاني من المشاكل معها بهذا الخصوص منذ عشر سنوات وصبر عليها ولكن الأمر تطور لأن تطلب السفر وحدها دون رضاه ولهذا خيّرها بين أن تجلس في بيتها وترعى بناتها أو أن تعمل وفوجئ بها تخبره برسالة جوال أنها في المطار وستسافر لمتابعة بعض أعمالها الخاصة في مجال الكوافيرات وصالونات التجميل ولهذا نصحته أن يطلقها لأنها لم تطع زوجها وهو أمر مهم جداً في الإسلام.. فحق الزوج كبير في الإسلام ولابد أن تطيعه زوجته ولا تعصيه وتسافر دون إذنه". المفتي هنا يقوم بإنهاء علاقة أسرية بسرعة الضوء بناء على معطيات ضعيفة، ومن منطلق ذكورة تسلطي واحتقاري للمرأة. بالنسبة إليه تصرف المرأة "مدعاة للشك" وهذا "الشك" الذي لم يصل لمرتبة اليقين كافٍ لإصدار الحكم بالطلاق. طبعاً لا يخطر بباله أن المرأة كائن بشري له طموحات وأحلام في العمل وتحقيق الذات تتجاوز الحاجة المادية، وليست مجرد أداة لخدمة الرجل. المرأة في باله ليست سوى أداة لمتعة الرجل وخدمته والاستماع إلى أوامره. ولهذا ففي أي شرع أو تشريع يمكن إصدار حكم بناء على سلوك موصوف بأنه "مدعاة للشك"؟ ويبرر فتواه بأنه ينطلق من "مصلحة الزوج" هكذا وبكل استعلاء، ومن دون إيلاء أي انتباه أو تفكير لـ"مصلحة الزوجة" أو "الأبناء" أو "الأسرة" التي يزعم المفتي أنه مستشار لها. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يؤسس لنظرته الاحتقارية للمرأة ويريدها أن تكون خادمة وتابعة ذليلة لزوجها لا تعرف سوى السمع والطاعة حتى لو كان الزوج بنصف عقل. يقول المستشار: ""في نظري أن سفر الزوجة بهذا الشكل ودون حاجة مدعاة للشك في سبب هذا السفر ونصيحتي للرجل كانت أن يطلقها عسى أن يكون في الطلاق تعديل لسلوكها وتترك عملها فالجلوس في بيتها ورعاية أولادها أهم من العمل لأن الإسلام أمر المرأة بالجلوس في البيت، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد أن امرأة عزفت عن الزواج في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تعرف حق الزوج فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم هل تريدين أن تعرفي حق الزوج قالت نعم: قال لو أن دماً أو صديداً خرج من منخاره فلعقتيه لم تؤد حقه.. وهذا الحديث عندما ذكرته أثار ضجة كبيرة بين الغربيين.. وهو حديث يثير عِظم حق الزوج وهو جاء بأسلوب المبالغة". وقال الداعية، "أنا تحدثت من باب مصلحة الزوج.. فمثل هذه الزوجة تدعو للشك كونها تصر على السفر للرياض وحدها دون سبب كافٍ ولم أستعجل في نصيحتي لأنني أرى أن الأمر خطير ولا يجب السكوت عليه أكثر". كل ذلك السرد على لسان المفتي منقول عن الزوج ويأخذه على علاته ومن دون أن يفكر حتى في التأكد منه والاستماع للطرف الآخر. ما يقوله الزوج حقائق لا يمكن أن يشوبها أي شك ويأخذه المفتي كما هو ويصدر حكمه بالتطليق. ليس هذا فحسب بل يتفاخر المفتي، المستشار الأسري الذي يدير برنامجاً يقدم من خلاله نصائحه وفتاواه، بأنه طلق زوجات أخريات قمن بسلوكيات مشابهة، أي لم يخضعن للزوج كما يجب. ويسرد بطولاته في تطليق الزوجات ويقول: "سبق أن اتصل بي أحد الأزواج وقال لي إن زوجتي تتراسل كثيراً بجهاز البلاكبيري الذي تضع له رقماً سريّاً وترفض أن أطلع على هذه المراسلات فقلت له إن مثل هذه الزوجة مدعاة للشك وعليك طلاقها والتخلص منها فوراً.. وهذا ما حدث". لم يسأل المفتي الذي لا يرى الكون إلا من خلال سيطرة الذكورة عليه لماذا يحق للزوج أن يضع رقماً سريّاً على تلفونه ولا تطلع عليه زوجته، ولماذا يحق له أن يسافر من دون أن تدري زوجته إلى أين يذهب، وهل ذلك وغيره "مدعاة للشك" أم أن الذكر يتصف بنقاء وطهارة مزروعة فيه بينما الأنثى مجبولة على الخطيئة وحدها.