حزمة المبادرات التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مؤخراً، تستهدف الحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز مكانتها في المجتمع، فهذه المبادرات التي تتضمّن ميثاقاً للغة العربية لتعزيز استخدامها في الحياة العامة، والعمل على إحيائها كلغة للعلم والمعرفة، وإطلاق كليّة للترجمة، ومعهد لتعليم العربية للناطقين بغيرها، إضافة إلى مبادرة إلكترونية لتعزيز المحتوى العربي على شبكة "الإنترنت"، كلها خطوات مهمّة ستسهم في الارتقاء بمكانة اللغة العربية داخل المجتمع. وهذه المبادرات النوعية تعكس الاهتمام الذي توليه دولة الإمارات للحفاظ على اللغة العربية، ليس فقط لأنها تعتبر اللغة الوطنية ورمز الهوية الوطنية، التي تعبّر عن حضارة الدولة، وتعكس هويتها وخصوصيتها الثقافية والحضارية والمجتمعية، وإنما أيضاً لأنها تعتبر حائط الصّد القوي أمام التأثيرات الثقافية الوافدة، التي تلقي بظلالها السلبية عليها، وهي لا تنفصل بدورها عن سلسلة الخطوات التي تم اتخاذها في الأعوام القليلة الماضية، من أجل الحفاظ على اللغة العربية، كقرار مجلس الوزراء الخاص باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع المؤسسات والهيئات الاتحادية في إمارات الدولة كافة، وتوجّه وزارة التربية والتعليم إلى تحسين أداء طلبة التعليم العام في اللغة العربية. إن الحفاظ على اللغة العربية، والارتقاء بمكانتها في المجتمع، توجّه يستند إلى اعتبارات مهمّة: أولها، أن اللغة العربية تعدّ حائط الصّد الأول في مواجهة التأثير الذي تتركه الثقافات الوافدة المرتبطة بالجنسيات العديدة التي تعيش داخل الدولة في مكوّنات هويتنا الوطنية سواء تعلّق الأمر بسلامة اللغة أو اندثار بعض العادات والتقاليد والقيم المجتمعية وغيرها، وعلى هذا فإن العمل على إثراء اللغة العربية باعتبارها اللغة الأم ضرورة ملحّة، باعتبارها اللغة الحاضنة لكل المعارف والآداب والثقافات والفنون التي تعبّر عن حضارة الدولة وتقدّمها ورقيها، وتعكس هويتها وخصوصيتها الثقافية والحضارية والمجتمعية. ثانيها، وجود توجّه متنامٍ نحو هجرة المدارس الحكومية إلى المدارس الأجنبية الخاصة التي تتكاثر بصورة مطّردة، وتلقى إقبالاً كبيراً من الإماراتيين، وهذه المدارس تركز بالأساس على تعليم اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية الأم، والأخطر أنها تكرّس لثقافات وقيم مختلفة، لأن استبعاد اللغة العربية من مناهج التعليم يقلّل بالطبع من دورها كوعاء ثقافي حضاري، خاصة أن اللغة مرتبطة بالسلوك والعادات والتقاليد والثقافة، وهو الأمر الذي يضفي أهميّة متزايدة على الجانب الخاص في المبادرة المتعلقة بإبراز المبدعين والمتميزين في اللغة العربية من الطلبة ورعايتهم في مدارس الدولة. ثالثها، تراجع استخدام اللغة العربية بصورة واضحة داخل الدولة لمصلحة لغات أخرى، خاصة مع وجود مئات اللغات والجنسيات، وهو الأمر الذي تكاد تكون معه اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في البلاد، ناهيك عن دخول مفردات كثيرة وغريبة ضمن القاموس اليومي لأبنائنا، التي تشوّه في مجملها لغتنا العربية. لقد أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، في الكلمة التي وجّهها بمناسبة اليوم الوطني السادس والثلاثين أن "اللغة العربية هي قلب الهوية الوطنية ودرعها، وروح الأمة، وعنصر أصالتها، ووعاء فكرها وتراثها"، وهذا هو جوهر المبادرات الأخيرة التي تنطلق في مجملها من الحفاظ على اللغة العربية باعتبارها ضرورة لتعزيز الهوية الوطنية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.