شهدت مصر حدثين متتابعين أثارا حماساً سياسياً على نحو متضارب، فبينما تدفق الحماس ضد زيارة المفتي إلى القدس، بين مرشحي الرئاسة والأحزاب الإسلامية والقومية واليسارية، وفي صفوف أعضاء البرلمان، حدث العكس تجاه الإعلان عن إنهاء التعاقد على تصدير الغاز المصري لإسرائيل. فقد أبدى السياسيون من مختلف الاتجاهات ارتياحهم لهذا القرار، وتعددت أسانيد التأييد له، فهناك من رأى أن تصدير الغاز لإسرائيل كان جزءاً من الفساد القديم وذلك ببيع الموارد المصرية بأقل من أسعار السوق العالمية مقابل رشاوى وعمولات. وهناك من رأى أن عملية التصدير كانت تتويجاً لعلاقات التطبيع الاقتصادي بين النظام السابق وإسرائيل، وبالتالي كان يجب إنهاؤها، وهناك من رأى أن مصر بأمس الحاجة إلى غازها لسد احتياجات السوق المحلية المتزايدة. ومن وجهة نظري تتكامل هذه الأسانيد معاً لبلورة موقف الترحيب والحماس، رغم أن رئيس الشركة المصرية لتصدير الغاز "إيجاس"، أكد أن إنهاء التعاقد مع الشركة الإسرائيلية، جاء لأسباب تجارية ليس لها أي دلالة سياسية، فشركة شرق المتوسط التي تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل أخفقت في سداد مستحقات عليها لهيئة البترول وشركة "إيجاس" تصل مائة مليون دولار، وأن قرار إنهاء التعاقد جاء لهذا السبب. لكن هذا السبب التجاري لم يمنع بعض المعلقين المصريين من رسم هالات البطولة حول القرار، فرأوه قراراً استراتيجياً اتخذه المجلس العسكري الحاكم ليسجل عملاً مجيداً آخر في تاريخ القوات المسلحة يضاف إلى حرب أكتوبر 1973. إن هذا التوجه لدى بعض الإعلاميين المصريين نلاحظ مثيله لدى بعض الإعلاميين والساسة الإسرائيليين مثل شاؤول موفاز زعيم المعارضة وحزب "كاديما" الذي قال إن إلغاء الاتفاق يشكل انتهاكاً سافراً لمعاهدة السلام بين الجانبين. وكذلك بعض معلقي التلفزيون الإسرائيلي الذين وصفوا القرار بأنه ضربة لمعاهدة السلام. ألاحظ أن المستويات الحكومية في الجانبين أظهرت تفهماً للمسألة باعتبارها نزاعاً تجارياً بعيداً عن أي اعتبار سياسي، وهو ما أدى إلى عدم رضا شركة الغاز الإسرائيلية التي تشتري الغاز المصري، فراحت تتهم الحكومة الإسرائيلية بالتهرب من الموضوع وبدفن رأسها في الرمال من ناحية، كما راحت تعبر عن غضبها تجاه مصر من ناحية ثانية. وفي تقديري، أن هذا الازدواج في الفهم والتفسير بين المستويات المسؤولة وبين أصحاب المصالح أو المواقف الحماسية، أمر متكرر في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو ما يظهر في محاولة تضخيم المسألة وإكسابها أبعاداً سياسية، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤولين في الشركة الإسرائيلية تصريحاً غامضاً يحمل روح المبالغة والغضب الأهوج، يقول إن قرار إنهاء التعاقد الذي اتخذته مصر سيعود بها 30 عاماً إلى الوراء اقتصادياً وسياسياً وأنه سيؤثر على معاهدة السلام. وهو كلام يجمع بين مرارة الغضب والسخافة العقلية وقلة الحيلة أمام القرار المصري. لقد نبهت إحدى الصحف الإسرائيلية إلى أن القرار المصري مؤقت وأنه جاء بهدف الضغط على الشركة الإسرائيلية المستوردة للغاز، لرفعها قضية ضد مصر تطالب فيها بتعويض حوالى ثلاثة مليارات دولار عن الانقطاع في التصدير نتيجة عمليات تفجير أنابيب الغاز المتكررة منذ الثورة. وهو ما يعني أن تنازل الشركة الإسرائيلية عن القضية يمكن أن يعيد الصفقة إلى وضعها من وجهة نظر الصحيفة، وهو أمر ستكشف خطأه أو صوابه الشهور القادمة. Summary