"نتنياهو قومي يميني، رافض للحقوق الوطنية الفلسطينية، ورجعي متشبث للغاية بالوضع الراهن. ولأن القومية فيها نزعة متأصلة للتوجه نحو التطرف، فإن نوعية نتنياهو ليست استثناءً. لديه نظرة انتقائية واعتقاد ذاتي بأنه على حق بخصوص تاريخ دولته، وهو مدفوع بعدم الثقة والاحتقار، إن لم يكن الحقد المباشر، تجاه العرب عامة والفلسطينيين خاصة. وهذا العداء هو الخيط المركزي الذي يجري في خطاباته العلنية وكتبه وسياساته كرئيس للوزراء". ما سبق، خلاصة ما يراه، بشأن نتنياهو، البروفيسور "آفي شليم" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، الذي أضاف في مقالة له قبيل اللقاء الأخير بين نتنياهو وأوباما في واشنطن: "نتنياهو لا يؤمن بالتعايش السلمي. وهو يرى علاقات إسرائيل مع العالم العربي على أنها صراع دائم، وكفاح لا ينتهي بين قوى النور وقوى الظلام. وهو يعتقد أن الاستبداد والعنف والإرهاب هي الحقائق الثابتة في الحياة السياسية لكل الدول العربية". اليوم، بعد انهيار عملية التسوية، واشتداد قوة الدعوة إلى محاربة إيران، لم يعد نتنياهو يتردد في تشبيه وضع إسرائيل في المحيط العربي المعادي لها بوضع اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية. وقد تجلى هذا الأمر في خطابه الأخير في مؤتمر "آيباك" مما جعل افتتاحية "هآرتس"، التي حملت عنوان "القتل والموت"، تقول: "لم يتردد نتنياهو في أن يشبه بفظاظة إسرائيل اليوم بوضع يهود أوروبا في الكارثة. ولتتبيل خطابه بإحدى تلك الحيل التي يحبها، امتشق صوراً لرسائل يفهم منها تشابه بين تريث أوباما في الهجوم على إيران ورفض روزفلت قصف سكة حديد أوشفتس. ولغرض انتزاع هتافات مستمعيه الأميركيين، فإن كل الوسائل لديه مشروعة: القتل والموت، التهديد والقسم، التحذير والتوبيخ للعالم بأكمله. ليس واضحاً ما الذي أراد تحقيقه هذه المرة غير التصفيق: طلب الرحمة؟ تعذيب ضمير العالم مسبقاً؟ زرع الرعب فيه نفسه، أم ربما إضرام نار الخيال التشرشلي الذي يعيش فيه؟ شيء واحد واضح: تعميق الإحساس بالضحية". وفي السياق ذاته، وبشأن تكرار استعمال نتنياهو لـ"المحرقة اليهودية" استعمالا تلاعبياً وغوغائياً، يقول "كوهين" في مقال بعنوان "الفرق بين بن غوريون ونتنياهو"، إن "نتنياهو ليس الأول بين رؤساء حكومة إسرائيل الذي يستعمل المحرقة مبتذِلاً إياها لحاجات سياسية، فقد فعل هذا بيجن قبله وبصور كثيرة، لكن الفرق عظيم بين بن غوريون وبيجن وبين نتنياهو. فأولاً جرب هذان الاثنان، باعتبارهما زعيمين يهوديين في فترة المحرقة، العجز الشامل. وكانت المخاوف من المحرقة عندهما مخاوف حقيقية. ولم يُجرب نتنياهو، منذ أصبح زعيماً، الشعور بالعجز اليهودي. وثانياً، استعمل بن غوريون وليفي أشكول وغولدا مئير أيضاً، وبقدر لا يستهان به، استعملوا المحرقة من أجل أن يُقسموا أن ما كان لن يكون. وقد تناول الثلاثة جميعاً، كل واحد بأسلوبه، تلك المحرقة لتسويغ العمل المقدس في ديمونة. لكن نتنياهو حصل على ديمونة جاهزة". ويقول "عكيفا الدار" في مقال بعنوان "شاهد واستهتر": "نتنياهو ليس سياسياً محبوباً ولا حتى صاحب قرار متميز. الكارثة تنجح في التأثير على اليهود. تداعٍ فكري مع الكارثة يساعد على هضم مظالم الاحتلال ويزيد التأييد لإسرائيل. أفكار عن أوشفتس تشوش صور جثث الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا في قصف سلاح الجو اليهودي على غزة. هذا عملي". أما "عنار شيلو" فكتب في "هآرتس" مقالاً بعنوان "بوتينياهو الإسرائيلي" (فلاديمير بوتين ونتنياهو)، قال فيه: "سيكون نتنياهو رئيس الحكومة التالي رغم الاغتيال المركز لكل مسيرة أو أفق سياسي، ورغم الاحتجاج الاجتماعي الواسع جداً الذي يخالف كل ما يمثله. إن سر نجاح نتنياهو هو مساوؤه خاصة. إنه يُنتخب لا لمزاياه بل لمساوئه. إن حب الجمهور لنتنياهو حب نرجسي، فنحن الذين تنعكس صورتنا في المستنقع العكر ونرى أنفسنا وننتخب أنفسنا. نتنياهو حرباء يتلون بلون المحيط. وهو يجسد دور عدة أشخاص في الوقت نفسه. فهو فارس سلطة القانون في مراسم تبديل رئيس المحكمة العليا، وهو التهديد الأكبر لسلطة القانون بسلوكه وسلوك ائتلافه. وهناك نتنياهو خطبة بار ايلان وتجميد المستوطنات، وهناك نتنياهو المؤمن بأنه لا يوجد من يُتحدث معه والذي لا يؤمن بالتخلي عن شبر أرض. وسؤال من هو نتنياهو الحقيقي لا معنى له. فميزته الكبرى، عن سائر ساستنا جميعاً، هي أنه لا يوجد أصلاً نتنياهو حقيقي. إن نتنياهو يضرب وتر صلفنا من جهة ومخاوفنا من جهة أخرى كما لم يفعل أي سياسي في إسرائيل قط، وليس صدفة أنه يكثر من استخدام المحرقة. فالمحرقة هي الخوف الأعظم وإشارته إلى محرقة ثانية تُعرفنا بأننا ضحايا وتعيد إلينا الشعور بالحق الذي فقدناه، فلو لم توجد إيران لوجب إيجادها". لقد تساءل "ناحوم بارنياع" في "يديعوت أحرونوت": "هل نتنياهو، كما تظهر شخصيته هو رئيس الحكومة الذي يسلمه الإسرائيليون صلاحية اتخاذ القرار أن تهاجم إسرائيل إيران أم لا؟". وقد جاء الرد على هذا السؤال من "شليم" الذي كتب: "الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو هو اليمين الأكثر عدوانية، والأشد تصلباً من الناحية الدبلوماسية، والأوضح عنصريةً في تاريخ إسرائيل. التركيبة الأيديولوجية لهذه الحكومة الائتلافية تتناقض مع صفقة الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين. وهي حكومة قوميين متطرفين هدفهم هو حدود إسرائيل الكبرى بشكل أحادي الجانب. والحكومة منتخبة ديموقراطياً، لكنها مهددة، من خلال وضعها القومية فوق الأخلاق والشرعية الدولية واعتمادها على القوة العسكرية لإخضاع شعب آخر، مهددة بالانجراف نحو الفاشية. نتنياهو ليس صانع سلام، بل سارق أراض يتجاهل حقوق الفلسطينيين. إنه من حوّل ما يسمى بعملية السلام إلى ممارسات عبثية". ومن جانبها، تختم "هآرتس" قائلة: "التخوف الذي تقشعر له الأبدان هو أنه في يوم ما سنكتشف جميعاً -بمن فينا نتنياهو نفسه، بعد أن يكون قد فات الأوان -أننا تحولنا إلى رهائن لخطاب تشرشلي، دون انتصار تشرشلي".