بعد أكثر من أربعين سنة من الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى، وبعد الجهود السلمية المضنية التي بذلتها وتبذلها دولة الإمارات منذ بداية الاحتلال الإيراني للجزر في 1971/11/30، لحل مشكلة احتلال الجزر الثلاث، جاءت زيارة الرئيس الإيراني لهذه الجزر قبل أيام، لتؤكد أن إيران غير راغبة، وإلى حد الساعة على الأقل، في معالجة هذه المشكلة بروح التعاون والتفاهم التي تقتضيها علاقات الجوار، خاصة بعدما شجعت الهجرة إلى الجزر وأفرغتها من سكانها العرب الأصليين. وعندما طلبت دولة الإمارات إحالة الملف إلى الأمم المتحدة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإنهاء الخلاف، رفضت إيران وظلت تتعلل بمبررات غير مقنعة. ثم إن الإمارات قدّمت مقترحات عديدة بهدف إنهاء الخلاف، لكن إيران ظلت ترد بالرفض قائلة إن الحل ينبغي أن يتم بعيداً عن الأطراف الأخرى! ولا شك أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك بعض التصريحات الإيرانية الرسمية، تدل على وجود فهم خاطئ لدى السياسة الإيرانية بهذا الشأن، خاصة فيما يتعلق بالتكتيكات السياسية غير المعلنة من جانب طهران في تعاملها مع هذا الملف. إن إيران تدرك تماماً حقيقة أن الموقف الإماراتي من موضوع الجزر الثلاث المحتلة، موقف مبدئي ثابت ولا يتغير، وهو من الثوابت الوطنية الراسخة؛ فالجزر الثلاث هي جزر عربية وجزء لا يتجزأ من أراضي دولة الإمارات، وإن كانت واقعة تحت الاحتلال العسكري منذ أكثر من أربعين عاماً، ما يعني أنه ينبغي إنهاء الاحتلال بانسحاب إيراني وعودة الجزر إلى دولة الإمارات، صاحبة الحق السيادي، الكامل والحصري فيها. وإن كان من العسير تفهُّم السياسة الإيرانية حول الجزر الإماراتية، فإنه يمكن فهمها انطلاقاً من نمط تعامل إيران مع جوارها الإقليمي عامةً وعلى اختلاف أوضاعه، أي تحليل هذه السياسة على ضوء العقلية الإيرانية وحالتها السياسية وفكرها الأيديولوجي الذي تتوجه من خلاله، والضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها وتحاول تصديرها للآخرين بافتعال أزمات مع أطراف أخرى. فمن خلال معرفة الشفرة السرية لهذه العقلية، يمكن وضع استراتيجية للتعامل مع إيران الحالية. وإلى ذلك فإن إيران دولة تبحث عن دور محوري في المنطقة، وتتعامل انطلاقاً من هذا المنظور، حتى ولو كان على حساب مصالح وسيادة الجيران، مما يضطر هؤلاء للتعامل معها بحذر، ولتبني استراتيجية واضحة في ردود الفعل إزاء توجهاتها. ولم تزل دولة الإمارات تتحاور مع إيران كجارة، ومع ذلك ظلت هناك هوة بين ما يقوله القادة الإيرانيون وما يفعلونه على الأرض. لقد انتقد كثيرون السلوك السياسي الإيراني حيال الجزر الإماراتية، ورأوا فيه افتقاراً للعقلانية السياسية، كونه إحياءً "أميناً" لما كان يفعله الشاه خلال سبعينيات القرن الماضي من منطلق دوره كـ"شرطي" للخليج العربي. وقد حاول كثيرون أيضاً فهم هذه السياسات التي تدفع المنطقة إلى عدم الاستقرار، خاصة في ظل وجود تهديدات كثيرة على رأسها البرنامج النووي، وما يثيره من مشكلات وأزمات خطيرة في المنطقة.