سؤال ملح كان يؤرقني: من يحكم سوريا فعلاً، وما طبيعة الحلقة الداخلية التي تمسك بقبضتها رقبة الشعب السوري؟ ليس ثمة معلومات مؤكدة تتسرب من داخل هذا التركيب الغامض، لكن وقع بين يدي بحث نشرته مجلة "دير شبيجل" الألمانية، يتحدث عن هذه الحلقة الداخلية، ما قوّى عندي ذلك الهاجس حول نوعية الأشخاص الذين يديرون البلد من وراء ستار. قال التقرير إن الحلقة الداخلية محكمة جداً، ولا يتسرب عنها إلا النزر اليسير من الأخبار. لكن التقرير يذكر أن بشار الأسد يشكو كثيراً من أنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار في وجه والدته، فمن هي والدته؟ إنها أنيسة مخلوف، أرملة حافظ الأسد. كما يذكر أن هناك شيئاً متناقضاً يجمع بين الثنائي "آصف شوكت" وماهر الأسد، وأن تدمير حمص كان بيد شوكت، لكن بعد أن أصبح على رأس قسم من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر، والمشهورة بالتسلح والقمع. فقد تنازل ماهر لشوكت عن بعضها مقابل استباحة حمص التي كانت أوامر تدميرها تنفذ بيد شوكت. ويقول التقرير إن قمة الهرم الحاكم مكونة من تسعة رهط، منهم من هو معروف شخصياًَ ومنهم المجهول للناس والمعروف للحلقة الداخلية فقط. والمهم في كل ذلك أن طبيعة التركيب الداخلي مجهولة تماماً، ولا يمثل فيها بشّار إلا واجهة ظاهرة، لكن عليه أن يوقع القرارات ولو كان مرغماً أو نصف راض فقط. ويبقى خلف الطاقة وجه ناعم يذكر بقصة الميدوسا الغرغونية من الأساطير اليونانية. إنها من تحكم خلف الكواليس: "السيدة الأولى" التي حافظت على اللقب وطردت الحمصية زوجة بشار التي انضمت للعصابة في طمع وغفلة. إنها تذكر بألينا زوجة تشاوسسكو، فهي من كانت خلف صعوده وجبروته، ثم خلف انهياره وإعدامه، لذا أعدمها الثوار في حفلة ثنائية مع زوجها المغدور. قصة الإفك في القرآن الكريم تعطيني دوماً مفاتيح الفهم، كما أتذكر كتاب "العبودية المختارة" لأتيين ديه لابواسييه حين يفكك آلة الطغيان وكيف تعمل، أو كما قال الرب فهم رهط يتقاسمون الجريمة ويغرقون فيها جميعاً، فلا يجدون مخرجاً إلا بخروج الروح. يقول لابواسييه هم ستة وربما سبعة، إذا اختلفوا أشهروا الخناجر، وقد يلجأون للتصويت فتحصل غلبة الأصوات. إنها ديمقراطية القراصنة المافيا! في هذا المجلس التسعوي تحت إمرة كل واحدة عشرة، وكل واحد من العشرة بإمرته مائة. وكل واحد من المائة ألفاً... وهكذا بالتسلسل. يقول القرآن عن حادثة الإفك: "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم" وليس ثمة فرد منفرد، فآلة الطغيان بناء مركب. ثم يقول ثانياً إن الإفك الذي جاءوا به ليس شراً كلياً: "لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم" بل فيه خير، وهنا تنبع فلسفة كاملة عن الخير والشر وجدليتهما في الوجود. لكنه يقرر درجات المسؤولية والإثم المترتب عليها: "لكل أمريء منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم". وكذلك هي الأوضاع في سوريا، فهناك البيادق الصغار العابثون التافهون، وهناك من تولى عظيم الأوامر. وفي القرآن تأكيد متكرر على أن الآخرة هي دار القرار وأن الحساب فردي: فلا تظلم نفس مثقال ذرة. وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً. لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة.