ممارسات بعض المنتمين إلى الدين الإسلامي تسيء إلى الإسلام أكثر من إساءة أعدائه إليه. وتبعث تلك الممارسات في كثير من الأحيان على إساءة الظن بكل المسلمين في أي مكان من العالم. شرارة الإساءة بدأت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكن مع مرور الوقت تظهر لنا توسعها وانتشارها بطريقة ملفتة إلى أن بدت وكأن التشدد منتشر في كل المجتمعات الإسلامية. فقد تصدرت وسائل الإعلام مؤخراً أخبار لها علاقة بالإسلام، والسمة الغالبة في تلك الأخبار التشدد والتطرف في الموقف. فقد قرأنا خبراً عن تهديد تنظيم "القاعدة" في اليمن بأن "السكين جاهزة"، في إشارة إلى نية المختطفين ذبح الدبلوماسي السعودي المختطف ما لم تتجاوب السلطات السعودية مع مطالبهم بالإفراج عن معتقليهم. مثل هذا النوع من الأخبار يملأ الصحف ووسائل الإعلام العربية والعالمية. وحتى فترة قريبة كنا نستطيع أن نحدد مناطق تواجد الإسلام المتشدد أو المتطرف، لكن اليوم نجدهم منتشرين في كل بقاع الأرض، حتى في تلك الدول التي استطاع أن يصل الإسلام السياسي فيها إلى السلطة. فاللغة التي يستخدمونها، سواء في التعامل مع المجتمع أو العالم، تسيء إلى الدين أكثر مما توضح موقف الإسلام الحقيقي. لم تعد الحركات المعروفة بالتطرف والتشدد مقتصرة على "القاعدة" أو "طالبان" أو "شباب" الصومال... بل ربما يكون الأمر قد شمل كل تيارات الإسلام السياسي، وإن اختلفت طريقة تنفيذ اللغة فالكل اليوم متشدد، وهذا لا يخدم الإسلام ولا المسلمين. والمشكلة أنه في ظل غياب الإسلاميين المعتدلين الذين ظهروا مع بداية أحداث سبتمبر، بات المتشددون من تيار الإسلام السياسي كأنهم المتحدثون الرسميون باسم الإسلام. وتعددت أشكال الإساءة إلى الإسلام، فهناك من يهدد بزهق نفس بريئة، وهناك من يمارس "الكذب السياسي" لتحقيق أهداف شخصية وينكر وثائق رسمية تدينه، وهناك من يبرر طموحاته الشخصية وصفقاته السياسية ثم يدعي زهده في السلطة، مع أن ممارساته تثبت عكس ذلك، وهناك من يرصد مكافأة مالية من أجل اغتيال الرئيس الأميركي، وهناك من يعيد تربية زوجته ويضربها بحجة أن الإسلام يأمره بذلك. تركيزنا على الإساءات التي تأتي من الخارج ومن أعداء الإسلام من رسامي الكاريكاتير ومعدّي الأفلام جعلنا نتغافل أو لا نلتفت لمن يقوم بالإساءة إلى الدين من الداخل الإسلامي، بل إن الإساءة الداخلية أخطر! بين أيدينا سجل طويل من التصريحات والمواقف المتشددة تجاه ممارسات البعض باعتبارها سلوكيات إسلامية. وهذا لا يعني أنه لا يوجد في الغرب من يعادي الإسلام والمسلمين، لكني أتحدث عن سلوكيات المسلمين التي تسيء إلى الإسلام بدلاً من توضيح الصورة. وبين أيدينا خطاب إسلامي هو الأعلى صوتاً والأكثر إساءة إلى الإسلام. وأصبح يربط بصورة مباشرة بين ما ينطقونه وبين الإسلام خاصة. ولا شك في أن أخباراً مثل هذه تنال نصيباً وافراً من تغطيات الإعلام العالمي. ويتم اعتمادها باعتبارها سلوكيات وممارسات كل من يعتنق الإسلام، وبالتالي يتم على أساسها تصنيف المسلمين وسوء فهم للإسلام من خلال تحليل المراقبين في الخارج. وأياً كانت التيارات الإسلامية، فهذا لا ينفي حقيقة أنها تسببت في تعبئة الرأي العام الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وفي ترسيخ صورة نمطية مشوهة عن الإسلام. اختفاء ممثلي الإسلام المعتدل أدى إلى تصاعد الإسلام المتطرف وصارت صورة الإسلام والمسلمين في العالم تثير النفور وتبعث على إساءة الظن بالمسلمين جميعاً.