مطالب الإصلاح لم تعد تقتصر على قوى المعارضة، فالحكومات تدرك ضرورة الإصلاح وقد أخذت بعض دول الخليج العربية بخطوات عملية نحو تحقيق إصلاحات تتماشى مع المتغيرات العالمية. وفي الحالة البحرينية هناك تفاوت في الاتفاق على أجندة الإصلاح وأهدافه. ثمة اعتراف رسمي من قبل الحكومة البحرينية بأهمية الإصلاح، لذلك فقد بدأت التحقيق في بعض الممارسات عبر الاستعانة بلجنة دولية، مما يؤكد رغبتها الصادقة في الوصول إلى صيغة توافقية، لكن التعثر مازال سيد الموقف مما يعيق الإصلاح المنشود. وتتجسد الإشكالية في سقف المطالب الإصلاحية، فبعض أقطاب المعارضة يرفع شعار رحيل النظام مما يعني الدخول في نفق مظلم له انعكاساته الكبيرة على دول الخليج الأخرى. وإضافة إلى ذلك ثمة أيضاً الحالة الكويتية التي تجسد نموذجاً متقدماً من الديمقراطية التي تواجه عثرات كبيرة. فهناك مطالب برئاسة شعبية للحكومة، وهو ما نعتبره مرحلياً لا يتماشى مع طبيعة الوضع الاجتماعي والنضج السياسي رغم مضي عقود على تجربة الكويت، فالرئاسة الشعبية للحكومة لن تحل المشاكل بل ستضيف لها تعقيدات غير مسبوقة، مما يخلق فوضى لا ندرك تداعياتها. وكذلك المطالب الراديكالية في البحرين، فهي تتعدى إمكانيات العقد الاجتماعي السائد في الإقليم الخليجي، الذي يتأثر ببعضه البعض، وهذا عامل لا يمكن إغفاله في مطالبنا الإصلاحية. على المعارضة في الخليج أن تدرك طبيعة الترابط الخاص بين دول المنطقة، وأن لا تحصر الديمقراطية في شكلها السياسي كمعادلة تحقق التوازن بين الدولة والمواطن، وليس كعلاقة في إطار الخصوصية الخليجية. لدينا مطالب إصلاحية، لكن لا ترافقها مطالب بتطوير دور المواطن في عملية بناء الدولة. فالعلاقة اعتمادية بين المواطن والدولة في الحالة الخليجية، بينما تستوجب الديمقراطية التوازن بينهما. وسواء في البحرين أو غيرها من الدول الخليجية، يتعين الوصول إلى صيغة متوازنة في تحقيق البرامج الإصلاحية، لاسيما أن ثمة الآن صيغة اتحادية تناقش على الطاولة، مما يعني ضرورة التفكير جدياً بأخطاء الماضي ومحاولة أخذ المبادرة من قبل نظم الحكم لتفويت الفرصة على أصحاب المطالب الراديكالية والساعين لأحداث هزات كبيرة تضر باستقرار المنطقة. ولعل أهم مطالب الإصلاح التي يجمع عليها كثيرون حالياً، تتجسد في تضييق دوائر الفساد التي تحولت إلى ظاهرة تهدد استقرار دول المنطقة، فالفساد المنظم له أبعاده الخطيرة على الأمن الاجتماعي للدول الخليجية. هنا ينبغي ألا نغفل الجوانب الإيجابية التي تحققت. فعلى سبيل المثال، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة ثورة في النظم الإدارية، وهي ثورة جاءت بجهد من الحكومة وليس بفعل ضغط من أي قوى اجتماعية. هذا بينما نجد الحالة الكويتية تعيش اضطراباً في نظمها الإدارية، وهي تعيش تجربة ديمقراطية كان المتوقع أن تنهض بتقديم نماذج متطورة في مجال الإدارة والاقتصاد. وبالعودة إلى حالة البحرين، نعتقد أنه على المعارضة المتشنجة أن تفهم ضرورة الحوار من جانب وتحديد سقف الإصلاح ضمن العقد الاجتماعي المتفق عليه في المنطقة الخليجية من جانب آخر، وإلا فإن عجلة التطور والتنمية التي نطالب بها لن تتحقق بل قد تتعقد الظروف في ظل الترابط بين دول الإقليم.