هدد قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال أحمد رضا بوردستان في خطاب بمناسبة يوم الجيش بأن بلاده "ستستخدم القوة إذا لم تثنِ الدبلوماسية الإمارات عن الاستمرار في المطالبة بالجزر".. فهل إيران جادة في هذا التهديد؟ لقد أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش أن دولة الإمارات ستعتمد استراتيجية سياسية جديدة في التعاطي مع مشكلة جزرها المحتلة ستمر من خلالها إلى مرحلة تعزيز المطالب عبر الطرق الدبلوماسية السلمية وضمن القانون الدولي، قائلاً: "نحن ندرس الخيارات الممكنة لنا في هذا الصدد"... لكن ما هي طبيعة التحركات السلمية المقبلة التي ستقودها الإمارات لاستعادة حقوقها في الجزر الثلاث؟.. تطرح دولة الإمارات أربعة خيارات سلمية لابد من اللجوء إليها قبل التفكير بأي حل آخر: أولاً: جهود الوساطة أو المساعي الحميدة التي تبذلها أطراف عربية ودولية بين أبوظبي وطهران. ثانياً: إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، ولدى الإمارات مجموعة وثائق ومستندات تنوي عرضها على المحكمة تثبت حقها في هذه الجزر، ولكن يرد قيد موضوعي على إحالة أي قضية متنازع عليها لمحكمة العدل الدولية إذ تشترط المحكمة موافقة طرفي النزاع قبل عرضها حتى يقبل الطرفان حكم محكمة العدل الدولية، الذي هو رأي استشاري. وما زالت إيران ترفض عرض المشكلة على محكمة العدل الدولية. ثالثاً: طالما أن القضية عرضت على الجمعية العامة، يمكن الحديث عن بعض الإمكانات الفرضية التي قد تصدر عن هذه الجمعية: (1) يمكن أن تصدر الجمعية العامة بياناً تدعو فيه فريقي النزاع إلى التفاوض الثنائي مجدداً، مع تأييد الجمعية لمذكرة التفاهم للعام 1971، كونها تعتبر بمثابة معاهدة دولية ثنائية ملزمة. فمثل هذا البيان يشجع الحل السلمي للنزاع، ولكنه يعيد الكرة إلى الملعب الأساسي الذي حاولت دولة الإمارات إخراجها منه، ولكنه إذا تضمن تأييداً لمذكرة التفاهم، فهو يعطي دولة الإمارات دعماً دوليّاً في أوساط الرأي العام الدولي، ومن محاذيره إغفال الحق العربي في جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وترك أمر تفسير هذه المذكرة لطاولة المفاوضات. (2) يمكن للجمعية العامة أن تكلف لجنة تقصي حقائق برئاسة الأمين العام أو سواه لدراسة الأوضاع، وإبلاغ الجمعية النتيجة، أو يمكنها تكليف الأمين العام القيام بدور الوساطة لتطبيق المذكرة في ضوء مبادئ القانون الدولي، وهذه الإجراءات تأخذ من الوقت والجهد قسطاً وفيراً. (3) يمكن للجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية الموقف (المادة 14 من ميثاق الأمم المتحدة) بين الدولتين، وتطالب بانسحاب إيران من الجزر. ومع تحقيق مثل هذا الافتراض المتفائل تبقى العقبة الكبرى في مدى الاستجابة الإيرانية لمثل هذا الطلب، لأن جميع قرارات الجمعية العامة تصدر على شكل توصيات لا قوة إلزامية لها. (4) يمكن للجمعية العامة أن تطلب من محكمة العدل الدولية رأياً استشاريّاً (المادة 96 من الميثاق) حول الحدود بين الدولتين، مع تفسير مذكرة التفاهم. ومن المعروف أن لهذه الآراء الاستشارية مرجعية دولية، إن لم تكن ملزمة لفريقي النزاع مثل الأحكام القضائية. وفي ضوء هذه الاحتمالات الأربعة، فإن الجمعية العامة -مع ثقل الرأي العام الدولي- لا تستطيع تمكين دولة الإمارات من استعادة سيادتها على الجزر، إذا أصرت إيران على موقفها. رابعاً: يمكن لدولة الإمارات أن ترفع شكوى إلى مجلس الأمن إذا لم تغير إيران موقفها (استناداً للمادة 37 من الميثاق)، ولمجلس الأمن الحق في أن يوصي بما يراه مناسباً من الإجراءات وطرق التسوية، بدءاً بدعوة طرفي النزاع إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أو إلى التحكيم أو غير ذلك من الوسائل السلمية، مروراً بإصدار قرار طلب إلى إيران للانسحاب من الجزر، وانتهاءً باتخاذ إجراءات تنفيذية بحق الدولة الرافضة، تشتمل على المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها. لقد بدأت دولة الإمارات بتصعيد حملتها الدبلوماسية عبر حشد التأييد العربي والإقليمي والعالمي لحقوقها التاريخية، وتحكيم القانون الدولي، واستمالة شرعية الأمم المتحدة إلى جانبها وسط دعم عربي واسع، ومن المتوقع أن يناور الإيرانيون لأسباب داخلية وخارجية، ويلجأون إلى لغة التهديد والوعيد لكن سيبقى طريق التفاوض الثنائي من حيث المبدأ هو الطريق الأقصر والأسلم شريطة أن تكون لدى السلطات الإيرانية نيّة فعلية وصادقة لإنهاء النزاع.