لا تألو دولة الإمارات جهداً في مواجهة ظاهرة الاتّجار بالبشر بأشكالها المختلفة، سواء كان ذلك عبر أنظمتها ولوائحها الداخلية التي تجرّم هذه الظاهرة، وتعاقب المتهمين بارتكابها، أو من خلال التعاون الواضح مع الجهود الدولية التي تستهدف القضاء على هذه الظاهرة، ولهذا أصبحت تقدم تجربة رائدة ومتميزة في مواجهتها، وهذا ما أشارت إليه بوضوح "جوي نجوزو إيزيلو"، المقرّرة الخاصة المعنية بالاتجار بالبشر في "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، لدى زيارتها للدولة مؤخراً، فقد أكّدت دور الإمارات الرائد في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، والتزامها بالاتفاقيات الدولية المعنية بهذه الظاهرة كافة، وأشادت بجهود إدارة مراكز الدّعم الاجتماعي التابعة لشرطة أبوظبي في تقديم الدعم النفسي والدعم الاجتماعي لضحايا الجريمة بشكل عام. يحسب لدولة الإمارات أنها تعد من الدول السبّاقة في وضع القوانين والتشريعات التي تتصدى لظاهرة الاتجار بالبشر، بل إنها كانت أول دولة عربية تصدر قانوناً خاصاً بمكافحة هذه الظاهرة، هو القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006 الذي يتضمن عقوبات رادعة لكل من يتورط في أي من الجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر، كما تراعي البعد الاجتماعي المتمثل في مساندة ضحايا هذه الظاهرة، وتأمين الحماية اللازمة لهم، من خلال برامج دعم اجتماعي واسعة النطاق تهدف إلى توفير الحماية والرعاية لهم بشكل إنساني سريع وعادل، كما تسعى باستمرار إلى تطوير آليات مكافحة هذه الظاهرة، بحيث تأخذ في الاعتبار الأبعاد المرتبطة بها كافة، وهذا يتضح من الجهود الفاعلة التي اتخذتها العام الماضي لمحاصرة أسبابها، فوزارة العمل اتخذت إجراءات عدّة تستهدف حماية العمال من الاستغلال، حيث أطلقت نظاماً جديداً على شبكة "الإنترنت" لفحص الأوراق المتعلقة بعقود العمل الخاصة بالعمال، كما وافق مجلس الوزراء على إعداد مشروع قانون خدم المنازل، ناهيك عن إنشاء العديد من مراكز الإيواء لضحايا هذه الظّاهرة من النساء والأطفال، وغيرها الكثير من الخطوات المهمة التي كان لها أثرها الإيجابي في الحدّ من هذه الظاهرة، وانخفاض نسبة الجرائم المرتبطة بها إلى أضيق نطاق ممكن، وهذا ما أكّده التقرير الأخير (عام 2011/2012) الذي صدر عن "اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر"، الذي أشار إلى انخفاض عدد القضايا المضبوطة والمتعلقة بالاتجار بالبشر العام الماضي عن عام 2010 بمعدل 21 قضيّة، وهذا يعكس بوضوح مدى فاعلية الجهود التي اتخذتها الدولة للتصدي لهذه الظاهرة. أهم ما يميّز الرؤية الإماراتية لمكافحة الاتجار بالبشر أنها رؤية حضارية، ترتكز على موقف مبدئي مناهض بكل قوة لتلك الجريمة، يعكسه ما نصّت عليه المادة (34) من دستور الدولة من "عدم جواز استعباد أي إنسان، وعدم فرض أي عمل إجباري على أحد"، وتنطلق من منظور شمولي في التعاطي معها، سواء في مواجهة الأسباب التي تقف وراءها، أو في كيفية التعامل مع ضحاياها، كما تنخرط بفاعلية في الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال التعاون مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية في بلورة المقترحات التي تعنى بمواجهة هذه الظاهرة، والتنسيق مع الجهات الدولية المعنية كافة لضمان سرعة محاسبة كل من يرتكب جرائم الاتجار بالبشر، أو يحاول استخدام الإمارات قناة عبور لممارساته، ولهذا كلّه أصبحت تتبوأ موقعاً قيادياً في إطار الجهود العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر، وينظر إليها باعتبارها من الدول الرائدة في مواجهة هذه الظّاهرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية