قرار آخر يتخذه أوباما فيما يخص المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية، ضمن استراتيجيته الرامية إلى إعادة النظر في بعض الالتزامات والرهانات الأميركية، حيث أعلن يوم الخميس الماضي تعيين الجنرال مايكل فلين على رأس وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، "للقيام بدور أكبر في مهام العمليات الخاصة" في مختلف أنحاء العالم. فمن هو الجنرال فلين؟ وما المهام الوظيفية لمنصبه الجديد؟ يعد "مايكل تي فلين" أحد الضباط البارزين في الاستخبارات العسكرية الأميركية، حيث أمضى معظم السنين الثلاثين لحياته المهنية. وقد حصل على رتبته الحالية في الجيش الأميركي، وهي ليفتنانت جنرال، في 28 سبتمبر 2011، غداة تعيينه نائباً لمدير الاستخبارات القومية، بعد اطلاعه بدور قيادي بارز في قوات الائتلاف الدولي بأفغانستان، حيث شارك في عملية "الحرية الدائمة"، كما شارك في عملية "حرية العراق". وفي أفغانستان أعد تقريراً استثنائياً، في يناير 2010، حول "تركيب الاستخبارات" الأميركية هناك، انتقد فيه افتقارها لفهم السياق الإنساني والاجتماعي للحرب في أفغانستان. وكانت إحدى مهماته الرئيسية مراقبة المسار التسليحي لحركة "طالبان"، فضلاً عن تقييم العمليات الخاصة. وبوصفه ضابط مخابرات كبيراً، فقد كان له الفضل في خلق أساليب مبتكرة لعمليات الاستجواب ودراسة الأداء العام، مما ساعد على تحقيق اختراقات كبرى في مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى ضد "القاعدة" والحركات المرتبطة بها. كما نشر عدداً من المقالات في مجلة "المشاة"، ومجلة "الحروب الصغيرة"، وفصلية "القوات المشتركة"، ونشريات أخرى تصدرها الاستخبارات العسكرية. هذا، وتوجد أربعة أجهزة استخبارات أساسية بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) هي: وكالة الأمن القومي، ووكالة الاستكشافات، ووكالة التصوير والمسح الجغرافي، إضافة إلى وكالة الاستخبارات الدفاعية المعنية بإمداد الوزارة بالأدوات والتقنيات الاستخباراتية الحديثة. وقد أناط قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب (2004) بمدير وكالة الأمن القومي إدارة هذه الوكالات، لكن دون تجاوز لوزير الدفاع. أما استخبارات الجيش والبحرية والقوات الجوية والأساطيل التجارية، فتقدم خدمات عسكرية وترتبط بمهمات محددة، وتعمل في خدمة الاستخبارات الدفاعية. وهذه الأخيرة تعد المنتج والمحلل المركزي الأول للمعلومات الاستخباراتية العسكرية في البنتاجون، حيث يعمل بها نحو 16500 موظف أميركي، وتقود الهيئات الاستخبارية لوزارة الدفاع من خلال مديرها الذي يرأس مجلس الاستخبارات العسكرية، كما تنسق أنشطة الجيش والبحرية ومشاة المارينز والمخابرات الجوية، وتطلع بمد القوات المقاتلة وواضعي السياسات ومخططي الدفاع بالمعلومات والبيانات. وقد تأسست عام 1961، ثم تمت إعادة تعريف دورها في عام 1986 كوكالة استخبارية لدعم العمليات القتالية. ورغم أنها الوكالة المناط بها العمل الاستخباري العسكري والتجسس على جيوش العالم، فقد ظل العسكريون يعتبرونها ملاذاً للهروب من العمل الميداني، لكن عناصرها أصبحوا في المقدمة خلال الأعوام الأخيرة، يواجهون مخاطر كبيرة في الميدان، لاسيما في العراق وأفغانستان، حيث بدت أكثر تنظيماً ونجاحاً من وكالة الاستخبارات المركزية، وذلك بجهود جيل جديد من الضباط، مثل مديرها الجديد مايكل فلين. وقد تخرج "فلين" من جامعة ولاية رود آيلاند بشهادة بكالوريوس في علوم الإدارة عام 1981، وانتدب في فيلق تدريب ضباط الاحتياط في الجيش، واطلع بمهمات متعددة في فورت براغ بولاية كارولاينا الشمالية مع الفرقة المجوقلة الثانية والثمانين، ثم اللواء الثامن عشر مشاة المحمول جواً، ومن بعد في قيادة العمليات الخاصة المشتركة، حيث شارك في عملية "الجراحة العاجلة" في جرينادا، وفي عملية تثبيت الديمقراطية في هايتي. كما عمل مع فرقة المشاة 25 في ثكنة شوفيلد بهاواي، وساهم في التدريب المشترك لمركز الجاهزية في فورت بولك بولاية لويزيانا، ومركز مخابرات الجيش في فورت هواتشوكا بولاية أريزونا. وتولى "فلين" قيادة لواء المشاة الثامن عشر المحمول جواً في فورت براغ خلال عام 2001، وفي العام التالي أصبح قائداً لقوة المهام المشتركة 180 الاستخباراتية في أفغانستان، ثم تولى قيادة الفرقة 111 من الاستخبارات العسكرية بين يونيو 2002 ويونيو 2004. وفي الفترة من يوليو 2004 إلى يونيو 2008 عمل مديراً لاستخبارات قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وفي الفترة بين يوليو 2008 ويونيو 2009 شغل منصب مدير الاستخبارات في هيئة الأركان المشتركة، ثم رئيساً للاستخبارات في القوة الدولية للمساعدة في إحلال الأمن بأفغانستان (إيساف) بين يونيو 2009 وأكتوبر 2010. وفي ذلك الوقت حذّر من تمدد نشاط حركة "طالبان" نحو شمال البلاد، وقال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية خلال جولة قام بها في شمال أفغانستان، في يوليو 2009، إن "طالبان" عادت إلى مناطق كانت تسيطر عليها قبل إطاحتها من الحكم، موضحاً أن "المتمردين اتيح لهم الوقت الكافي لإعادة تجميع صفوفهم"، وأنهم أصبحوا يعيدون تواجدهم في المناطق الجنوبية والشرقية، وفي أجزاء من الشمال أيضاً. و"فلين" هو خريج دورة ضباط الاستخبارات العسكرية الأساسية، والدورة المتقدمة لضابط المخابرات العسكرية، ودورة قيادة الجيش، وذلك من كلية الأركان العامة، ومدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة، والكلية البحرية الحربية. كما أنه حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال في مجال الاتصالات من جامعة غولدن غيت، وعلى الماجستير في الفنون والعلوم العسكرية من كلية قيادة أركان جيش الولايات المتحدة، وعلى الماجستير في الأمن القومي والدراسات الاستراتيجية من الكلية البحرية الحربية، وعلى شهادة الدكتوراه من معهد السياسة العالمية في واشنطن. وفي سبتمبر 2011 تمت ترقية "فلين" إلى ليفتنانت جنرال، وعين نائباً لمدير الاستخبارات الوطنية. ويعتقد أن لـ "فلين" تأثير في جميع أنحاء مجتمع المخابرات، لاسيما في الوحدات التنفيذية وخدماتها، خصوصاً في مجال المراقبة والاستطلاع، فضلاً عن تكنولوجيا المعلومات والتصميم التنظيمي. وبالاستناد إلى هذه الحصيلة المهنية، فقد أعلن أوباما يوم الخميس الماضي ترشيح الجنرال ليفتنانت فلين ليكون المدير الثامن عشر لوكالة استخبارات الدفاع. لكن قبل أن يكون ذلك قراراً نهائياً، ينبغي أن تصادق عليه لجنة الدفاع في الكونجرس، وهي موافقة متوقعة على كل حال، إذ علاوة على سجله المهني الجيد، فإن الجنرال "فلين" حاصل على العديد من الجوائز والأوسمة الرفيعة، مثل وسام الدفاع في الخدمة العليا، ووسام الاستحقاق، والميدالية البرونزية "ستار"، ووسام خدمة الاستحقاق، ووسام خدمة الثناء المشترك، ووسام ثناء الجيش. لكن هل يكفي ذلك لبلوغ طموحات أوباما فيما يخص الاستراتيجية الدفاعية الأخيرة؟ وهل يسعفه في مناطق الأحلام الجديدة، وفي صناديق الانتخابات القادمة أيضاً؟ محمد ولد المنى