لا ينظر كثيرون إلى صحة وسلامة الفم والأسنان على أنها قضية صحة عامة، أو أنها حتى خطر على الصحة الشخصية، على رغم أن الدراسات تظهر أن الأمراض التي تصيب الفم والأسنان ترتبط بزيادة احتمالات الإصابة بالسكري، وبأمراض القلب، والتسبب في الولادة المبكرة، أو العكس، حيث تؤدي بعض الأمراض العامة مثل هشاشة العظام، والسكري، والسرطان، إلى تدهور صحة الفم والأسنان. والمقصود بصحة وسلامة الفم والأسنان، هو خلو الفم والوجه من الآلام المزمنة، وخلو الفم والحلق من الأمراض السرطانية، ومن تقرحات الفم، والتشوهات الخلقية مثل الشفة الأرنبية أو انشقاق الحنك، وأمراض والتهابات اللثة، وتسوس الأسنان، وفقدان بعضها أو كلها، وغيرها من الأمراض التي تصيب تجويف الفم. وتتلخص عوامل الخطر التي تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض الفم والأسنان في الغذاء غير الصحي، واستخدام منتجات التبغ، والإفراط في شرب الكحوليات، وعدم ممارسة تنظيف الأسنان بشكل يومي، ورعايتها طبيّاً بشكل دوري. وتلعب العوامل والظروف الاجتماعية دوراً في احتمالات الإصابة بأمراض الفم والأسنان، حيث تزداد معدلات الإصابة بين الأطفال والبالغين الفقراء، وبين ذوي الخلفية الاجتماعية الدنيا. وبالنظر إلى الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، يمكن أن ندرك أن صحة وسلامة الفم والأسنان من المنظور العالمي أبعد ما تكون عن المثالية، مما يجعلها قضية صحة عامة دولية بالغة الأهمية، بناء على المضاعفات الخطيرة التي تنتج عن أمراض الفم والأسنان. فعلى المستوى العالمي يعاني ما بين 60 و 90 في المئة من أطفال المدارس، و100 في المئة تقريباً من البالغين من تسوس في سن واحد أو أكثر من أسنانهم. بينما يصيب التهاب اللثة الحاد -الذي يحتمل أن يؤدي إلى فقدان بعض الأسنان- ما بين 15 و 20 في المئة من البالغين بين عمر الخامسة والثلاثين والرابعة والأربعين. أما في الفئة العمرية بين الخامسة والستين والرابعة والسبعين، فنجد أن 30 في المئة منهم على مستوى العالم، قد فقدوا جميع أسنانهم. ولا يختلف الوضع كثيراً في دولة الإمارات، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية منتصف شهر يناير الماضي، حيث أعلنت هيئة الصحة في أبوظبي عن نتائج دراسة مسحية حول الحالة الصحية لطلاب المدارس الحكومية بالتعاون مع مجلس أبوظبي للتعليم، ودلت عينة الدراسة التي شملت طلبة الصفوف الأول والخامس والتاسع عن إصابة 64 في المئة من طلبة العينة بمشكلات صحية تتعلق بصحة الفم والأسنان. ولكي تبلغ سياسات وإجراءات الصحة العامة الهادفة لمكافحة أمراض الفم والأسنان قصارى فعاليتها، لابد لها أن تدمج مع بقية السياسات والإجراءات الموجهة لمكافحة بقية الأمراض المزمنة، وضمن برنامج الصحة العامة الوطني. مثل هذه الاستراتيجية يتبعها بالفعل البرنامج الدولي لصحة الفم التابع لمنظمة الصحة الدولية، الذي يوافق نشاطاته مع نشاطات الوقاية من الأمراض المزمنة، ومع جهود التوعية والتثقيف الصحي. وتتلخص هذه السياسات في تطوير إجراءات فعالة للتحكم في عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض الفم والأسنان، مع تشجيع تطوير وتطبيق برامج مجتمعية للتوعية بصحة الفم والأسنان والوقاية من الأمراض التي تصيبهما، وخصوصاً بين الطبقات الفقيرة والمعوزة من المجتمع، مع توفير الدعم الفني والتقني لنظم الرعاية الصحية في مجال الأسنان، ودمجها ضمن أهداف وفعاليات نظام الرعاية الصحية الشامل، بالإضافة إلى تشجيع السلطات الصحية على إضافة "الفلوريد" إلى مياه الشرب، كوسيلة فعالة لمكافحة تسوس الأسنان. ويندرج هذا الإجراء الأخير تحت مفهوم العلاج الجماعي، الذي يعتبر من أكثر مفاهيم الصحة العامة إثارة للجدل والخلاف. فحسب هذا المفهوم، يتم تعريض جميع أفراد المجتمع -وبدون استثناء- إلى عقار معين، بهدف تحقيق الوقاية من مرض ما، كما هو الحال مع فكرة إضافة مادة "الفلوريد" إلى مياه الشرب، بهدف زيادة مقاومة الأسنان للتسوس، وخصوصاً بين الأطفال. ولكن كما هو الحال في كثير من المواضيع الطبية الحديثة، لا ينتهي الأمر عند هذا الحد أو بهذه السهولة. فالبعض يرون أن إضافة "الفلوريد" إلى مياه الشرب، تصرف له عواقبه الصحية طويلة الأجل. ففي رأيهم أن تراكم "الفلوريد" في الجسم عبر الأيام والسنين، قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان العظام، أو الإصابة بالقولون العصبي، أو التعرض لاضطرابات الغدة الدرقية. وهذه المخاوف لم تنجح الدراسات الحديثة في دحضها تماماً، وإن كانت الدراسات قد أثبتت عدم وجود علاقة بين إضافة "الفلوريد" إلى مياه الشرب وبين الإصابة بسرطان العظام. وبعيداً عن هذا الجدل والخلاف الطبي، من الممكن اتباع إرشادات بسيطة على المستوى الشخصي، يمكنها رفع مستوى الحالة الصحية للفم والأسنان بدرجة كبيرة، والحد من الأمراض التي تصيبهما، مثل غسل الأسنان بالفرشاة مرتين على الأقل في اليوم، ومراجعة طبيب الأسنان مرتين على الأقل في العام، حتى لو لم يكن الشخص يشتكي من ألم أو مشكلة ما، والامتناع عن استخدام منتجات التبغ، وشرب الكحوليات، وتناول كميات كافية من الخضراوات والفواكه لما تحتويه من فيتامين "سي" من أهمية بالغة في صحة اللثة والأسنان، مع خفض المتناول من السكريات البسيطة، وخصوصاً تلك الموجودة في الحلويات، وفي العصائر، وفي المياه الغازية، التي لا تحتوي على كميات كبيرة من السكريات فقط، بل تتميز أيضاً بدرجة مرتفعة من الحموضة تسبب تآكل وذوبان الطبقة الخارجية الواقية للأسنان.