بعد أن شهدت الأمة العربية ثورات "الربيع العربي" التي وعدت بترسيخ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وإنهاء حكم الاستبداد... ها هي المرحلة الانتقالية الحالية تشهد حالة من الفوضى والضياع نتج عنها انتكاس الديمقراطية. فقد مهدت الثورات العربية لصعود الإسلام السياسي بحصول قواه على مقاعد الأكثرية في البرلمانات العربية بعد الانتخابات في كل من تونس ومصر والمغرب والكويت. فهل صعود الإسلام السياسي للسلطة في أكثر من بلد عربي يمهد لحالة من الأمن والاستقرار السياسي في الحكم؟ وهل تستطيع هذه القوى تعزيز الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما حصل بعد الثورات الغربية في كل من فرنسا وأميركا؟ تشهد الدول الغربية هذه الأيام حملات انتخابية قوية في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تشهد الولايات المتحدة حملة انتخابية يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري للفوز بمقعد الرئاسة في نوفمبر المقبل. أما فرنسا فتشهد اليوم الأحد الدورة الأولى لانتخاباتها الرئاسية بمشاركة أكثر من 45 مليون ناخب يختارون أفضل مرشحين لخوض انتخابات الدورة الثانية في السادس من مايو المقبل. وفي هذه الانتخابات يتنافس الحزب الديغولي برئاسة ساركوزي والحزب الاشتراكي بزعامة هولاند والحزب اليساري المتطرف يزعامة ملبنشون و"الجبهة الوطنية" اليمينية بزعامة مارين لوبان... وكل التوقعات ترجح ذهاب ساركوزي وهولاند إلى الجولة الثانية. ما يهمنا هنا أن القضايا الجوهرية المطروحة في الانتخابات تتمحور معظمها حول قضايا البشر، وتحديداً الاقتصاد، فاليسار الفرنسي يثير قضية اللامساواة في فرنسا، أما زعيم الاشتراكيين فقد اقترح فرض ضرائب أكثر على الأغنياء تصل 75 في المئة من دخلهم. بينما ركزت زعيمة اليمين المتطرف لوبان في حملتها الانتخابية على تنامي أعداد المسلمين في فرنسا، مُحاولةً خلق مخاوف لدى الفرنسيين من فقدان وظائفهم مع تزايد هجرة المسلمين. أما ساركوزي فوعد بتحسين حالة الاقتصاد وتقليص حركة تدفق الوافدين. ويبقى السؤال: لماذا استقرت الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في الغرب بعد الثورات التي شهدتها أميركا وفرنسا، وبقي العالم العربي في حالة من الفوضى والتمزق وانهيار الاقتصاد وتمزق المجتمع في أكثر من بلد عربي، حيث توجد شبه حروب أهلية، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن؟ لماذا نجحت الثورات الغربية في تحسين وضع الإنسان بشكل عام بعد حالة المخاض التي عرفتها هذه الدول بعد الثورات، حيث شهدت أميركا الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في عهد لنكولن، وبعدها توحدت البلاد. كذلك شهدت فرنسا حالة من الفوضى والقتل والتعسف، لكنها استقرت بعد وصول نابليون للسلطة. هل مطلوب منا نحن العرب أن نخوض حروباً أهلية حتى تتأهل شعوبنا للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان؟ الوطن العربي شهد أكثر من حرب أهلية، ومع ذلك ازدادت شعوبه تمزقاً وتعصباً. التيارات والأحزاب الإسلامية التي وصلت للسلطة عن طريق الاقتراع الحر... لماذا تحاول تغيير الدستور في أكثر من بلد عربي مثل مصر والكويت مثلاً؟ لماذا يصر "الإخوان" والسلفيون على احتكار السلطة؟ ولماذا لا يؤمنون بالتعددية الفكرية والدينية؟ ولماذا يصادرون الحرية ويرفضون حقوق الإنسان؟ لا توجد إجابة سهلة، لكن نجاح الغرب يعود إلى حركة التنوير الفكرية وترسيخ العلمانية والليبرالية... هذا هو الجواب.