زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة وخطابه الاستفزازي فيها، والذي لا نعلم لمن هو موجه، لأنه كما يقرأ خال من الأهداف السياسية والرسائل التي عادة ما تتضمنها خطابات المسؤولين الكبار الذين من المفترض ألا يستخدموا المصطلحات أو يطلقوا العبارات جزافاً، بل يجب أن يكون استخدامهم لها موجهاً يقصد من ورائه الإشارة إلى قضايا محددة، إما أن يراد حلها أو تصعيد المواقف حولها، بمعنى تحقيق مصالح وطنية محددة من ورائها. لكن ما سمعناه من الخطاب في جزيرة أبو موسى كان مجموعة عبارات تستفز دون أن تقدم شيئاً مفهوماً يمكن من خلاله التعامل مع إيران في هذه المرحلة. ما يمكن فهمه هو أن الرئيس الإيراني كان يحاول تصدير مشاكله الداخلية نحو الخارج في محاولة لإلهاء أبناء الشعب الإيراني عن مشاكله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية الكأداء، التي يعاني منها، وتحويل أنظار الإيرانيين إلى الخارج وبأن بلادهم مستهدفة يحيط بها الأعداء من كل جانب، وهذا وهمٌ يعي الإيرانيون حقيقته جيداً. جزيرة أبو موسى وجزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى، جزء عزيز جداً من تراب وطننا الغالي دولة الإمارات العربية المتحدة، لا يوجد بشأنه تفريط، زاره المسؤولون الإيرانيون الكبار أم لم يزوروه، وتتمسك دولة الإمارات حوله بمجموعة من الثوابت والركائز التي على إيران أن تستوعبها. فأولاً: إيران بتصرفاتها في أبو موسى من خلال تعطيل مظاهر سيادة دولة الإمارات عليها، إنما تكون قد أخلت ببنود مذكرة التفاهم بينها وبين دولة الإمارات، وبتصرفها هذا تعتبر محتلاً أجنبياً يستولي بالقوة على إقليم يملكه غيره. وثانياً: أن إيران تحتل أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عنوة ودون وجه حق، وأنها اقتطعتها من جسد الإمارات لكي تضمها إليها معتمدة على تفوقها العسكري وعلى الظروف الدولية السائدة. وثالثاً: توجد لدولة الإمارات حقوق ثابتة وراسخة تؤيدها أسانيد قانونية وشواهد تاريخية، وتعززها حقائق تتعلق بالجغرافيا البشرية والطبيعية ويساندها الرأي العام العالمي والعربي، رغم أن إيران عملت على إيهام الرأي العام العالمي بأنها قامت باسترجاع الجزر الثلاث من بريطانيا عوضاً عن احتلالها واقتطاعها من أراضي الإمارات. وهي تقوم بذلك معتمدة على ادعاءات تاريخية خاطئة وعلى ضرورات أمنية - استراتيجية تخص الأمن القومي الإيراني بكافة أبعاده خاصة البعد الاقتصادي. رابعاً: تسير إيران في احتلالها لجزر الإمارات الثلاث، على نهج يقع في إطار البحث عن حلول لمشاكلها الاقتصادية المتفاقمة وسياسة الهيمنة والتوسع الخارجي والاستعلاء وتصدير الثورة التي تنتهجها تجاه جيرانها من عرب وغيرهم. وهذا يعني أن الاحتلال كان ولا يزال، لأسباب اقتصادية في جوهرها، رغم تغليفها بمبررات أمنية واستراتيجية. فهل توجد بواعث اقتصادية جديدة تتعلق بالنفط والغاز في أبو موسى ومحيطها الإقليمي جاء الرئيس الإيراني، لكي يتأكد منها على الطبيعة؟ خامساً: المواقف الإيرانية المتصلبة تجعل من حل المسألة بالطرق السلمية مستعصياً، ولا تبدو في الأفق بوادر انفراج من الجانب الإيراني تساعد على الوصول إلى حل يعيد الحق إلى نصابه. لذلك فإنه على ضوء زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى أبو موسى، التي نقضت جميع الاتفاقيات بين الطرفين بالسعي إلى التوصل إلى حل سلمي للمسألة، ستبقي القضية واحدة من أهم الأسباب التي تعرقل مسيرة الأمن في الخليج العربي، وتعكر صفو العلاقات الإماراتية- الإيرانية. لكن دولة الإمارات لن تتخلى عن هذه الجزر، ولن تألو جهداً في سبيل استعادتها والتوصل إلى حل سلمي لها، إما عن طريق التفاوض المباشر مع إيران أو بعرضها للتحكيم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.