لا يكف مؤشر بورصة "انتخابات الرئاسة" عن الصعود والهبوط، فكل يوم هو في شأن، متقلباً بين مفاجآت مدوية وخيبات أمل مفجعة، لتتسع حدود الرؤية وتضيق، وتتفاوت الحظوظ، وإن كان الغبار ينقشع على مهل وتنجلي حقائق ومعلومات تختصر المسافات وتحدد المسارات وتبين لمن ستكون الغلبة؟ أو على أقل تقدير تظهر من هم الفرسان الأساسيون في هذا السباق المنتظر. ولا يمكن القطع بشيء نهائي حول سباق الرئاسة من الآن لأسباب عدة هي: 1- لا يزال الوقت مبكراً للحكم على الحظوظ الثابتة للمرشحين، فباب الترشيح إن كان قد أغلق، فبعده سينفتح باب الطعون، ثم انسحاب البعض يأساً من إمكانية الفوز أو تنازلاً للغير أو عجزاً عن مواصلة السباق. 2 - غياب المرشح القوي المتفرد الذي يغطي صيته وجمهوره وحظه وإمكانياته على الآخرين بحيث يبدون إلى جانبه مجرد "ضيوف شرف" أو "كومبارس"، ويعرف الناس أنه القادم إلى سدة الرئاسة لا محالة. 3 - هذه أول انتخابات رئاسية جدية في تاريخ مصر قاطبة. فالتي جرت عام 2005 كانت شكلية باهتة، نتيجتها محددة سلفاً. أما هذه الانتخابات، ورغم تخوف البعض من تزييف إرادة الأمة اتكاء على العيب الجوهري الذي تنطوي عليه المادة 28 من الإعلان الدستوري، فإنها تتسم بالجدة والجدية وستشهد منافسة حقيقية بين المتبارين، وستستخدم فيها وسائل وآليات جديدة على الثقافة السياسية المصرية. 4 - هناك دراسات سابقة في مجال "علم النفس الاجتماعي" ومؤشرات واضحة نستقيها من خبرة عام كامل بعد الثورة تبين أن الشعب المصري "عاطفي بطبعه" وحالته النفسية قد تنقلب من النقيض إلى النقيض في وقت قصير جداً. والمثل الصارخ على ذلك هو التعاطف مع مبارك بمجرد إلقاء خطاب حافل بالأكاذيب عن رغبته في أن "يموت في بلده" ثم كراهيته ومقته بعد ساعات إثر وقوع "معركة الجمل" ثم النزول بعد أيام بعشرات الملايين إلى الشوارع للاحتفال برحيله. وهذا الأمر ينطبق بلا شك على انتخابات الرئاسة، إذ يمكن أن تقع حوادث أو تجري وقائع قبل أيام أو ساعات من عملية الاقتراع تبدل الناس من حال إلى حال. 5- نفتقد إلى الاستطلاعات الدائمة والمنضبطة علمياً، والتي تقيس اتجاهات الرأي العام فتمكننا من الحكم السليم على حظوظ المرشحين وتبين لنا منحنى الصعود والهبوط أو معدل الارتفاع والانخفاض في مسار المتسابقين، ونتبين بها من سيكمل السباق ومن سيخرج خالي الوفاض. ورغم أن بعض هذه الاستطلاعات قد أجري بالفعل، منه ذلك الذي أعده مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن من المبكر اعتمادها دليلاً على ما سيجري، نظراً لأن بعض من احتواهم الاستطلاع سيخرجون موضوعاً لموانع قانونية وتنازلات لآخرين وانسحابات نهائية أو شكلاً من خلال إصابة بعض المتنافسين بالفتور رغم إكماله السباق. 6 - نعاني كثيراً من نقص المعلومات، كماً وكيفاً. فكثير من التدابير تتم خلف الستار أو في الغرف المغلقة، بعضها بالغ التأثير في مجرى الانتخابات وقد يؤدي الاطلاع عليه والإحاطة به إلى بناء قدرة وافية للحكم على النتائج المنتظرة. 7 - هناك أصوات تطالب بمقاطعة الانتخابات الرئاسية لأنها تتم تحت حكم العسكر ووفق المادة 28 من الإعلان الدستوري المعيبة. لكن هذه الأصوات تخفيها أصوات أخرى هادرة يرى أصحابها أن الانتخابات فرصة لإنجاز مطالب الثورة والإجهاز على نظام مبارك، ولذا فالمشاركة فيها واجب وطني. والأخذ والرد بين الاتجاهين، رغم تفاوت الكتلتين الجماهيريتين اللتين تتبعانهما، قد يزيد في الأسابيع المقبلة لا سيما إن ازدادت الشكوك في سلامة "العملية الانتخابية" أو تمكن من يتبنون وجهة النظر تلك من الترويج لها وجذب كثيرين إليها. 8 - كثير من الدراسات والتحليلات التي ستجري بشأن الانتخابات الرئاسية ستنطلق من افتراض أنها ستكون "نزيهة تماماً" أو تتسم بقدر كبير من النزاهة، لا تجرح نتائجها بعض خروقات أو انتهاكات عابرة. ومثل هذا الافتراض يعني أن التقديرات التي توضع على الورق لحظوظ المتنافسين ستتطابق مع الواقع إلى حد كبير. وهذا يسهل على الباحثين والخبراء مهمة تعداد الأصوات وترتيبها. لكن ستتعذر القياسات الدقيقة لو أصيبت الانتخابات بداء التزوير والتزييف، سواء بطريقة سافرة تصل إلى تبديل الصناديق وتسويد البطاقات أو ناعمة من خلال التأثير على حرية اختيار المواطنين بالدعاية الصارخة واستغلال الأمية أو التلاعب الإلكتروني بالجداول الانتخابية وعملية رصد النتائج. 9 - لا تزل احتمالات تأجيل انتخابات الرئاسة قائمة، وعندها ستتغير حظوظ المرشحين بمرور الوقت، وقد يفتح باب آخر للترشح فيما بعد يسمح بدخول شخصيات أخرى للسباق وخروج بعض من يخوضوه الآن. وهذا التأجيل سيتم، على الأرجح، إن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً ببطلان انتخابات مجلس الشعب، وأصدرت المحكمة الإدارية العليا قراراً ببطلان عملية اختيار "اللجنة التأسيسية للدستور". فعند هذا الحد ستحدث أزمة سياسية يتذرع بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويؤجل انتخابات الرئاسة، فيطيل أمد "المرحلة الانتقالية" مرة ثانية، ولا يلتزم بتسليم السلطة في 30 يونيو المقبل كما هو مقرر. فالإعلان الدستوري ينص على أن يسلم "المجلس العسكري" سلطاته التنفيذية إلى رئيس الجمهورية المنتخب، والتشريعية إلى "مجلس الشعب" ومع بطلان الأخير وتأجيل قدوم الأول، سيتسمر العسكر في الحكم. 10- دور الجماعة الوطنية في تعزيز مسار ومرشح وحيد، من خلال قدرتها على إقناع بعض المرشحين بالتنازل لواحد منهم، هو الأوفر حظاً. وهناك فكرة مطروحة في هذا المضمار نعتها الإعلام بـ "لجنة المائة" وهي تتمثل في "المشروع الرئاسي للثورة" والذي يقوم عليه "هو إطار ديمقراطي وطني، ينطوي على قوة معنوية وأخلاقية وفكرية وسياسية، ويحتشد لتحقيق أهداف ثورة يناير العظيمة، مستخدماً في ذلك كافة الوسائل السياسية والعلمية الهادفة إلى تعزيز قدرة المواطنين المدعوين إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية على اختيار رئيس يحقق مطالب الثورة. ويؤمن المشروع بأن هذا الرئيس يجب أن يكون عضواً في "فريق رئاسي" ينتمي إلى الثورة، ويمتلك القدرة على إنجاز أهدافها الوطنية. ويسعى المشروع إلى حشد أصوات الراغبين في تحقيق هذه الأهداف، لتصب في الاتجاه الصحيح، بما يتفادى تشتتها وإهدار قيمتها لمصلحة خيارات تصويتية لا تخدم الثورة. وينفتح المشروع ويتعاون مع كافة القوى والأطر الوطنية الديمقراطية المنحازة للثورة بغية تحقيق أهدافه، ويواصل عمله الفكري والسياسي لضمان أن تبقى مؤسسة الرئاسة وطنية وديمقراطية وقوية ناجزة في إطار الجهد العام المبذول من أجل أن تحقق ثورة يناير أهدافها وقيمها". روائي وباحث في علم الاجتماع السياسي- مصر