ما من حرب بلا ضحايا، وأكثر ضحايا الحرب لا يسقطون على جبهات المعارك، بل يعانون على مسافات بعيدة منها. وقد أوقعت المعارك الأخيرة في ولاية جنوب كردفان السودانية، للسيطرة على حقل هجليج النفطي الذي احتلته قوات دولة جنوب السودان، بضحايا من نوع آخر، إنهم السكان الذين تحولوا إلى لا جئين فروا في جميع الاتجاهات، فعادت ظاهرة مخيمات اللجوء مجدداً إلى المنطقة، وظهر مخيم "بيدا" الذي يضم 30 لاجئاً. وعلى أطراف المخيم التقط مصور وكالة "أي اف بي" هذه الصورة لطفل سوداني جلس قرب البير ينتظر والدته لملء أوعية الماء، بينما كانت تهب نسمات هواء بارد جعلته يتغطى عنها بالبطانية. أما المصباح اليدوي بيده فقد اصطحبته الأم تحسباً منها لأن عملية السقي قد تطول وتستمر إلى الليل. ومن المعلوم أن آخر ما تحتاجه الأوضاع التنموية المزرية في هذه المنطقة هو اندلاع حرب أخرى تجدد الدمار والخراب، بينما كان السودان يعتقد أنه اشترى السلام والاستقرار فيه بالموافقة على انفصال الجنوب! لكن شهوة امتلاك النفط، مشفوعة بالرغبة في إثبات الذات واستعراض القوة، أربكا حسابات السلام وأخذا يدفعان بالجميع في طريق لا تضيئه البصيرة، بل تحفه عواصف الدمار وأنواء الأهوال الحارقة!