"إنني أترشح لتغيير مصير فرنسا. وأنا أكتب هذه السطور، أعرف تماماً حجم المسؤولية التي ستلقى على عاتقي. ولكن ألا يبدو حلم تغيير مصير فرنسا حلماً عصيّاً على الإدراك؟ (…) أليس ذلك متعذراً اليوم ومواطنيّ قد فقدوا الثقة في السياسة والسياسيين؟ طبعاً لا! إن فرنسا تجد نفسها الآن في منعرج مصيري من تاريخها. فبعد عشرة أعوام من الحكم اليميني المحافظ تجد نفسها حيث هي اليوم. في حالة قطيعة مع ذاتها. ولذا فليس أمامها سوى أن تغير الطريقة. وعليها الاختيار بين طريقين: الهروب إلى الأمام... أو الإصلاح وفق سياسة تحافظ على العدالة الاجتماعية"، بهذه العبارات قدم مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند كتابه الذي نقدم هنا إشارات خاطفة إلى بعض محتوياته، وعنوانه "تغيير المصير". وهو بمثابة كتاب الحملة أو "المانيفستو" السياسي بالنسبة لـ"هولاند"، أبرز متحدِّي الرئيس ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحالية، التي سيجرى دورها الأول بعد غد الأحد. وقد دبّج "هولاند" هذا الكتاب الذي لا يتجاوز حجمه الـ170 صفحة لكي يجعل القراء -واستطراداً الناخبين- الفرنسيين يعرفون عنه كل شيء، وأيضاً لكي "يبيع" لهم سياسيّاً رؤيته لهذه الـ"فرنسا" البديلة التي يبشر بها، ويسعى لإقناعهم بأنها ستكون فرنسا أخرى مختلفة، قادرة على تجاوز انسدادات الاقتصاد، وتراجع النمو، وتردي العلاقة بين عامة الشعب والطبقة السياسية. أو بكلمة شديدة الإيجاز، فرنسا الجمهورية القادرة على الاستجابة لكافة تطلعات أبنائها، وعلى المصالحة مع نفسها وقيمها وتاريخها، والقادرة أيضاً على أن تلعب دوراً قياديّاً بناءً في استعادة زخم المشروع الأوروبي، على أسس واقعية غير ديماغوجية أو شعبوية. وفي الوقت ذاته جديرة بأن تتحمل أعباء دورها الإيجابي الفعال، كقوة كبرى، على الساحة الدولية. وكل هذه الآمال والأشواق السياسية هي ما يتطلع إليه الكاتب، ويسعى لتحقيقه في حال وصوله إلى قصر الأليزيه، مؤكداً بصراحة أن هذا هو مشروع الفرنسيين جميعاً، وهو ما يتطلع إليه أبناء الجمهورية كافة. ولذا فقد نذر "هولاند" نفسه لتحقيق هذا الحلم الفرنسي الفردي والجمعي، على حد سواء. وفي الجزء الأول من الكتاب، الموزع على عشرة فصول، يستعرض "هولاند" أمام قرائه -وناخبيه- الفرنسيين مسيرته السياسية من ألفها إلى يائها، مؤكداً أنه رجل المرحلة، وربما رجلها الوحيد، حيث يقول: "إن كل شيء في حياتي قد أعدني لهذا الاستحقاق: التزاماتي ومسؤولياتي، وجميع ما مررت به من لحظات نجاح أو امتحان". وفي سياق استعراض سيرته ومسيرته السياسية يؤكد أن بدايات انجذابه الحقيقية للسياسة، وتيقظ فضوله للانخراط في استكشاف مغاليق عالمها المثير، كان مع نشوب تلك المعركة السياسية الباهرة التي ألهبت حماس جيل كامل من الفرنسيين في سنة 1965، حين وقف رجل شبه مجهول سياسيّاً حينها، يدعى فرانسوا ميتران مرشحاً في وجه الزعيم التاريخي ديغول بكل كا يحيط به من هالة وما ينتسج حوله من أساطير زعامة و"كاريزما" وبطولة حقيقية غير مزيفة. ويومها تجرع أنصار "ميتران" الهزيمة المرة، ولكنهم انتشوا بتوثب قيم الحرية والتجديد الممكن اللانهائي، حتى لو خسروا أمام المجد السياسي والكاريزما الخارقة. وقد كانت تلك هي أول انتخابات في تاريخ الجمهورية الخامسة تتم بالاقتراع المباشر. ومع التعلق بالتقليد السياسي والوفاء لقيم الحزب الاشتراكي، الذي ظل "هولاند" خلال السنوات الماضية يعتبر أحد حراس معبده، وكان أمينه العام، وأحد أبرز رموز حرسه القديم الذين يسمون في أروقة الحزب بـ"الفيلة"، إلا أنه هنا في مختلف فصول كتابه يسعى جاهداً للتأكيد أيضاً على أن التزامه الحزبي ووفاءه لخطه الإيديولوجي ليسا أبداً على حساب تبنيه لرؤية سياسية فوق حزبية، تستجيب لتطلعات جميع الفرنسيين، لأن قيم الجمهورية وخدمة فرنسا هما إيديولوجيته الحقيقية، وهما حزبه المعلن الذي نذر نفسه للانخراط فيه منذ وقوعه في غواية الممارسة السياسية. وفي الأسطر الأخيرة من كتابه يستحضر "هولاند" عبارة "الجمهورية" وقيمها، بصفتها العبارة الحاكمة في جميع مشروعه السياسي، حيث استدعاها خمس مرات متتالية في أسطر قليلة، قبل أن يلفظ كتابه أنفاسه الأخيرة. فهو يكابد اليوم في معمعة هذه الانتخابات الرئاسية على أمل إعادة ترسيخ قيم "الجمهورية" وجمهورية القيم. وهو يريدها "جمهورية" بمواصفات تحفز "شجاعة العمل". "جمهورية تراعي البيئة وسلامة الكوكب". "جمهورية تحترم المواطن" دون تمييز. وباختصار شديد "جمهورية بمواصفات القرن الحادي والعشرين". هذه هي "جمهورية هولاند" أو الـ"فرنسا الأخرى" التي يبشر بها! فهل يفلح في نيل ثقة الفرنسيين... إن صدق؟! هذا هو السؤال! حسن ولد المختار الكتاب: تغيير المصير المؤلف: فرانسوا هولاند الناشر: روبر لافون تاريخ النشر: 2012