كان التاريخ الذي اختاره قادة الثورة الليبية للهجوم النهائي على معقل القذافي بطرابلس هو العشرين من أغسطس 2011، الموافق ليوم العشرين من رمضان الذي فتح فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عام 680، والذي كان أيضاً يوافق ذكرى مرور ستة أشهر على انطلاق الثورة ضد القذافي ونظامه. وكان المسمى الذي اختاره الثوار للعملية "فجر عروس البحر"، يشي بثقتهم في القدرة على اجتياح العاصمة، وإطاحة النظام الديكتاتوري. ففي ذلك اليوم، كما تقول "ليندساي هيلسام" المحررة الدولية بالقناة الرابعة الإخبارية البريطانية، ومؤلفة كتاب "العاصفة الرملية... ليبيا في زمن الثورة"، أيقظ "منسقو الأحياء" الخلايا الثورية النائمة داخل المدينة بالعبارة السرية المتفق عليها لبدء الهجوم، وهي "سوف نتناول الحساء الليلة". وعند أذان المغرب، وبعد أن أفطر الصائمون بدأ الهجوم. كان الترتيب لتنفيذ الهجوم على درجة كبيرة من السرية، لدرجة أن أعضاء الخلايا النائمة في الأحياء المختلفة فوجئوا بأن جيراناً لهم قد استجابوا لنداء منسقي الأحياء بينما لم يكن يخطر على بالهم أن هؤلاء الجيران من أعضاء خلاياهم النائمة. وترى المؤلفة أنه لم يكن هناك شعب عربي لديه من الأسباب ما يدعوه للتخلص من نظامه المستبد عام 2011 مثلما كان لدى الشعب الليبي الذي عانى الأمرّين تحت نظام القذافي الذي بدد ثروات البلاد النفطية الهائلة، وترك شعبه يعاني من نقص الخدمات الأساسية، ومدنا عديدة في بلده الشاسع تعاني الافتقار المزري للبنيات التحتية. ولم تقتصر الأضرار التي ألحقها القذافي بليبيا والليبيين على ذلك، وإنما فرض عليهم نظام المؤتمرات الشعبية كبديل عن أجهزة الدولة العاملة والمنظمة. كما استهان بذكاء الشعب الليبي وحاول أن يفرض عليه الأوهام التي ضمنها "كتابه الأخضر" والذي كان يدرس في مختلف مراحل التعليم كعقيدة. وفضلاً عن ذلك خنق القذافي كافة الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة، وزج بأصحابها في غياهب السجون، وأعدم الكثيرين منهم، وارتكب العديد من المذابح، وحكم الدولة حكماً بوليسياً بشعاً، وأحكم قبضته عليها من خلال زرع الخوف وبث الرعب. وضرر القذافي كما تقول المؤلفة لم يقتصر على ليبيا، حيث وضع ثروات ليبيا تحت تصرف العديد من الحركات الإرهابية. بل وقف العقيد الليبي وراء عدة حروب في أفريقيا، وقام عملاؤه بعدد من العمليات التي أضرت بسمعة ليبيا، ودفع الشعب الليبي ثمنها غالياً بسبب العقوبات الدولية، مثل عمليتي لوكيربي عام 1988 و"يوتا" عام 1986. ثم تتابع المؤلفة تراجعات السياسة الغربية تجاه ليبيا بعين ناقدة. فعندما أُقنع القذافي بتسليم برامجه النووية والكيميائية في ديسمبر عام 2003، قادت أميركا وبريطانيا عملية لإعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع الدولي، بحجة أن كسب رئيس دولة راديكالي في ذروة الحرب العالمية على الإرهاب يعد شيئاً إيجابياً في حد ذاته، علاوة على أن إعادة تأهيل ذلك الرجل غريب الأطوار كانت تعني فتح الأسواق الليبية الواعدة أمام الشركات الأميركية والبريطانية. لكن أميركا وبريطانيا ومعهما فرنسا سرعان ما انقلبوا على الطاغية الليبي في مارس 2011 عندما انتفض ضده شعبه. وتقول المؤلفة إنه رغم شعور القذافي بالتعرض للخيانة من قبل شركائه الغربيين بعد أن سلّمهم بنفسه أسلحته التي كان يمكن أن تجعل "الناتو" يتردد في مهاجمته، فإن سقوط ذلك النظام كشف العديد من فظائعه، مما كان يعني أن أي جهد يبذل في تأهيله سوف يكون عديم الفائدة في خاتمة المطاف. وتقدم المؤلفة سرداً شائقاً لجذور الثورة في ليبيا، وتجمع أجزاء الصورة العامة بطريقة متقنة، بما يجعل كتابها مرجعاً مهماً للثورة الليبية، وذلك من خلال مقابلات مكثفة مع عشرات الليبيين قبل الانتفاضة ضد نظام القذافي، وأثناءها وبعد أن انتهى ذلك الصراع بقتل العقيد نفسه على أيدي الثوار بطريقة بشعة وعبثية... كما تتيح الفرصة من خلال هذا الكتاب للعديد من الرجال الذين كانوا وراء عاصفة الثورة الليبية، كي يقدموا قصتها، بطريقتهم الخاصة، للقراء في كل مكان. سعيد كامل ------- الكتاب: العاصفة الرملية... ليبيا في زمن الثورة المؤلفة: ليندساي هيلسام الناشر: بنجوين برس إتش سي تاريخ النشر: 2012