هل تمثل "ثورة الغاز الصخري" واقعاً حقيقياً ينطوي على توقعات واعدة، أم أنها مبالغة تنبني على آمال خيالية فقط؟ يحاول الكتاب الذي نعرضه هنا، "ثورة الغاز الصخري بين الواقع والتضخيم"، لمؤلفه بول ستيفنز، الخبير البريطاني في شؤون الطاقة، الإجابة على ذلك التساؤل من خلال إلقاء الضوء على تطورات الغاز غير التقليدي الأخيرة في الولايات المتحدة، وإمكانية تكرر حدوثها في مناطق أخرى من العالم، قبل أن يحلل التأثير المحتمل لتلك التطورات في سوق الغاز العالمية، من خلال تأثيرها في الاستثمارات. لقد كان الرأي السائد بين مراقبي أسواق الغاز العالمية قبل عام 2007 أن الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي المسال، ودوره المتصاعد في تجارة الغاز الدولية، يمكنهما أن يحولا سلسلة الأسواق الإقليمية إلى أسواق دولية موحدة أكثر فأكثر. لكن منذ عام 2007 أدى ظرفان مهمان إلى طرح آراء معاكسة لهذا التصور، أولهما الركود الاقتصادي العالمي، والذي أدى إلى انخفاض مؤقت في الطلب على الغاز. وثانيهما التطور المفاجئ وغير المتوقع في إمدادات الغاز غير التقليدية في الولايات المتحدة، والذي يعرف بـ"ثورة الغاز الصخري". واليوم حوّل هذا العاملان أسواقَ الغاز المحدودة نسبيا، بين عامي 2006 و2007 إلى سوق مشترين، وفي الوقت نفسه بدأ بعض المحللين يتوقعون أن تكون للغاز غير التقليدي انعكاسات مهمة على الإمدادات العالمية وأرصدة الطلب، والكيفية التي تعمل بها أسواق الغاز مع الجغرافيا السياسية الكاملة. لقد انطلق الغاز غير التقليدي فعلياً، في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، وساهمت التطورات التقنية إسهاماً كبيراً في تطوير موارده. ورغم أن إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة يعود إلى 100 عام مضت في حوضي أبالاش وإلينوي، فإن السنوات الأخيرة أعطت دفعة قوية لتطوير تقنياته وزيادة موارده. لكن وفقاً للمؤلف، فإن "ثورة الغاز الصخري" الأخيرة، في الولايات المتحدة، أثارت شكوكاً هائلة حيال أسواق الغاز العالمية، ذلك أنه إذا استمرت هذه الثورة في الولايات المتحدة وامتدت إلى دول العالم الأخرى، فبوسع مستهلكي الطاقة توقع مستقبل يسيطر عليه الغاز الرخيص، أما إذا أخفقت هذه الثورة فسيحصل نقص خطير في الغاز على المدى المتوسط. ذلك أن موارد الغاز غير التقليدية تقدر بنحو خمسة أضعاف موارد الغاز التقليدية، لكن يُخشى أن تكون معدلات نضوبها أسرع كثيراً. أما السبب في نجاح التجربة الأميركية فيعود إلى العوامل المواتية ذات الصلة بالجيولوجيا، والإعفاءات الضريبية، ووجود صناعة خدماتية نشطة... مما لا يمكن استنساخه خارج الولايات المتحدة، لاسيما في غرب أوروبا، حيث الشروط الجيولوجية غير مساعدة، وحيث لا توجد إعفاءات ضريبية، وحيث تتخلف صناعة خدمات الحفر الساحلي عن نظيرتها الأميركية. وكما يلاحظ المؤلف، فإن إحدى النتائج المباشر لثورة الغاز الصخري، تراجع استغلال قدرات الغاز الطبيعي المسال، مما يولد مشكلتين رئيسيتين: الأولى أنه بينما يتعافى العالم من الركود، وتتراجع القيود المفروضة على استخدام الغاز، فسيزداد الطلب على هذا الأخير. أما المشكلة الثانية فتتعلق بمصادر الطاقة المتجددة، إذ ثمة اتفاق عام على أن العالم سيضطر للتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، لذلك لابد من وجود استثمارات كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وهذا وحده يحدث ضغطاً فورياً لتسريع الاستثمار في بدائل نظيفة. وأخيراً يلاحظ المؤلف أن ثورة الغاز الصخري ولّدت شكوكاً لدى المستثمرين الأميركيين الذين وظفوا أموالهم في مصانع الغاز الطبيعي المسال، ذلك أنه حيثما وجدت إمكانية جدية لغاز رخيص جداً ونظيف نسبياً، فلا أحد يدفع مبالغ طائلة من المال ثمناً لمعدات باهظة التكاليف! محمد ولد المنى ------- الكتاب: ثورة الغاز الصخري بين الواقع والتضخيم المؤلف: بول ستيفنز الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012