عانى مصنعو اللوحات الشمسية في ألمانيا سنة صعبة للغاية، فبعد الاستبشار الكبير بالقطاع في البداية لما تعهد به من خلق وظائف جديدة، تواجه صناعة الطاقة الشمسية اليوم أحد أكبر مشاكلها المتمثلة في المنافسة الشرسة من قبل الشركات الآسيوية. هذا الوضع الصعب يعبر عنه "جيرهارد ستراي هيب"، مدير سياسة الطاقة في معهد الأنظمة الشمسية للطاقة بألمانيا قائلاً: "من الواضح أن القطاع يعاني من أزمة حقيقية"، ومن بين ضحايا هذه الأزمة المتواصلة التي تطال قطاع الطاقة الشمسية في ألمانيا تبرز شركة "كيو سيلز سي" التي كانت واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال تصنيع اللوحات الضوئية. فبعد تصاعد الخسائر التي تكبدتها الشركة بسبب انهيار أسعار الخلايا الشمسية في السوق، قررت التقدم بطلب الحماية وإشهار إفلاسها. وكان المسؤولون في كل من ألمانيا والولايات المتحدة قد علقوا آمالاً عريضة على قطاع الطاقة الشمسية في خلق وظائف يصعب ترحيلها إلى الخارج، لكن وفيما ارتبطت أغلب فرص العمل الجديدة في ألمانيا بقطاع الطاقة المتجددة، أظهرت المشاكل التي تعاني منها الطاقة الشمسية أن مكاسب الوظائف الخضراء قد لا تكون بنفس القدر من التنافسية، وأنها في النهاية قد تعاني من ذات الضغوط التي تقاسيها صناعات أخرى بسبب المنافسة الآسيوية. وحسب دراسة قامت بها وزارة البيئة الفدرالية في ألمانيا خلال شهر مارس الماضي، فقد أسهمت منشآت الطاقة الشمسية في خلق 110 آلاف وظيفة جديدة خلال السنة الماضية، وهو نفس العدد الذي استحدث في 2010، ما يجعل نمو الوظائف في القطاع يقارب الصفر تقريباً. هذه المنشآت ما أن تقام حتى تقل الحاجة إلى يد عاملة جديدة، فهي تحتاج إلى صيانة قليلة وبالتالي تتراجع حاجتها للتوظيف. وفي هذا الإطار يقول "جيرهارد" إنه طالما توسع السوق، فستواصل منشآت الطاقة الشمسية في استحداث الوظائف الجديدة، "لكن القطاع تخطى فترة الذروة وسيضيف عدداً محدوداً من فرص العمل في الفترة المقبلة". وحتى وقت قريب توقعت شركات الطاقة الشمسية الألمانية أن تسهم الصادرات المتزايدة في دعم نمو القطاع وضمان استمراره، لكن ما جرى أن هامش الأرباح تقلص فبدأت الشركات في ترحيل الوظائف، وهو ما ينوه إليه "جيرهارد" قائلاً: "نرى الآن أن الصادرات لا تفيد التوظيف المحلي في شيء، بسبب توجه الشركات إلى إقامة فروع لها في مناطق مختلفة من العالم لتقليل التكلفة". لكن رغم هذه المشاكل التي تواجهها صناعة الطاقة الشمسية تظل القطاعات الأخرى المرتبطة بالطاقة الخضراء أكبر مستحدث للوظائف في ألمانيا التي حددت لنفسها هدف تأمين 35 في المئة من احتياجاتها من الطاقة عبر المصادر المتجددة بحلول 2020 والوصول إلى 50 في المئة سنة 2050. وأشارت الدراسة إلى أن إجمالي الوظائف التي أحدثتها صناعة الطاقة المتجددة بكل فروعها وصلت إلى 370 ألف وظيفة في السنة الماضية، وهو أكثر من نصف إجمالي الوظائف الجديدة في ألمانيا التي بلغت في السنة ذاتها 550 ألف وظيفة جديدة. والحقيقة أن "كيو سيلز" ليست الشركة الوحيدة التي أفلست في ألمانيا، بل سبقها بأقل من سنة شركات ألمانية كبرى عاملة في مجال الطاقة الشمسية، ما أثار مخاوف المراقبين من تحول القطاع إلى فقاعة اقتصادية على وشك الانفجار بسبب فائض القدرة الإنتاجية لهذه الشركات، وعدم مواكبة الطلب للإنتاج. وتعود هذه القدرة الإنتاجية المتضخمة، حسب "أولريتش بلوم"، أستاذ الاقتصاد بجامعة "مارثن لوثر"، إلى "التوقعات غير الواقعية بشأن استمرار الدعم لقطاع الطاقة الشمسية". فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية قررت الحكومة الألمانية خفض دعمها المقدم للشركات بحوالي 40 في المئة، لما اعتبرته كلفة منخفضة لمنشآت الطاقة الشمسية وهامش الربح الكبير الذي تجنيه. والحال أن الشركات الألمانية لم تكن تجني نفس الأرباح التي بنت عليها الحكومة الألمانية تقديرها. وفيما تسحب الحكومة الفدرالية في ألمانيا الدعم الموجه للشركات المحلية، تواجه هذه الأخيرة منافسة شرسة من الشركات الآسيوية التي تستفيد من دعم حكوماتها السخي. فمن أكبر الشركات العالمية في مجال الطاقة الشمسية توجد الخمس الأولى في الصين، بما فيها تلك التي تصنع اللوحات الشمسية، والمشكلة أن تلك الشركات الصينية ركزت منذ البداية على السوق العالمية ووجهت صناعتها للتصدير بسبب تواضع الطلب المحلي، وهو ما سحب البساط من تحت الشركات الألمانية التي تعتمد على نفس الأسواق. وفي هذا السياق يقول "هانز جوزيف فيل"، برلماني ألماني من حزب الخضر، "لقد أصبحت الطاقة الشمسية رخيصة بسبب المصنعين الصينيين، وهو أمر جيد بالنسبة للبيئة، لكن ما تحتاجه اليوم الشركات الألمانية هو الوصول إلى السوق الصينية نفسها". ويؤكد بلوم في معرض توضيحه لمشاكل الشركات الألمانية أن هذه الأخيرة فاجأتها الشركات الآسيوية بوتيرة تطورها السريعة، قائلاً: "لم يكن أحد هنا يتوقع أن تنمو المنافسة الأجنبية بهذه السرعة، وفي الحقيقة أن التوقع بهيمنة ألمانيا على صناعة الطاقة الشمسية في العالم كان خاطئاً إلى حد بعيد". والحل في نظر بلوم يكمن في تخلي الشركات الألمانية عن المنتجات الموجهة للاستهلاك الواسع مثل اللوحات الشمسية التي باتت منتشرة على نطاق عريض، حيث لا تستطيع الشركات الألمانية منافسة المصنعين الآسيويين، والتوجه بدلاً من ذلك إلى المجالات المتخصصة والدقيقة مثل تصنيع أجزاء معقدة تعتمد على الهندسة الميكانيكية التي تدخل في تصنيع اللوحات الشمسية المتطورة. ------- ألكسندر باكست-برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"