تقدم التطورات التي عرفها المشهد السياسي المصري خلال الأسبوعين الماضيين إيحاءات جديرة بالتأمل؛ الإيحاء الأول نتج عن حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان تشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور والتي تميزت بهيمنة أعضاء مجلس الشعب والشورى من "الإخوان" والسلفيين، وفحوى الإيحاء هنا هو أن القضاء قد انحاز إلى المطالبين بتشكيل الهيئة من شخصيات ممثلة لكافة طوائف وطبقات الشعب من خارج البرلمان لأن الدستور هو الذي ينشئ السلطات الثلاث، وبالتالي يكون من المعيب أن تقوم إحدى هذه السلطات بوضع الوثيقة الخالقة لها. وجاء الحكم في سياق بدا فيه أن "الإخوان" يشعرون بأنهم تحت ضغوط إعلامية وسياسية متصاعدة، وجاءت استجاباتهم بعدم الطعن على الحكم بصفتهم القوة البرلمانية الأكبر لتوحي برغبتهم في إنهاء الأزمة الناتجة عن هيمنتهم مع السلفيين على الهيئة. الإيحاء الثاني نتج عن قيام "الإخوان" بدفع مرشحين لانتخابات الرئاسة تحسباً لاستبعاد أحدهما، وهو إيحاء الرغبة في التواجد في السلطة التنفيذية بعد أن فشلت جهود البرلمان في سحب الثقة من الحكومة الحالية وتمرير فكرة تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة الشاطر. وقيل في هذا الإيحاء إن دفع مرشحين، أصلي واحتياطي، جاء نتيجة تلويح المجلس العسكري بحل البرلمان وبالتالي حرمان "الإخوان" من تصدر السلطة التشريعية. الإيحاء الثالث جاء نتيجة ترشح عمر سليمان لانتخابات الرئاسة، وهنا قالت قوى كثيرة إن الترشيح فيه تحد للثورة ومحاولة لإعادة إنتاج النظام السابق مما دعا البرلمان لإصدار قانون العزل السياسي لمنع سليمان من خوض المعركة الرئاسية. وفي تقديري المبكر رأيت أن ترشيح الرجل جاء رداً على دفع المرشحين الإخوانيين والمرشح السلفي، وأن ترشيحه سيسحب بأي طريقة من الطرق إذا ما تمت إزاحة الشاطر وأبو اسماعيل ليمهد الطريق لعمرو موسى الذي عمل بشكل وثيق مع مبارك وكون لنفسه قاعدة في الشارع الانتخابي. الإيحاء الرابع جاء من مفاجأة الدعوة التي أطلقها المشير طنطاوي للانتهاء من وضع الدستور قبل نهاية يونيو المقبل، وهو الموعد المحدد لنهاية الفترة الانتقالية وتسليم السلطة لرئيس منتخب. الإيحاء هنا مزدوج الدلالة حيث يشير أولاً إلى تغير موقف المجلس العسكري من قضية أسبقية الدستور لينحاز إلى رأي القوى المدنية التي طالبت بوضع الدستور أولاً قبل إجراء الانتخابات سواء كانت برلمانية أم رئاسية في مواجهة موقف جارف من القوى الإسلامية سعى إلى العكس ونجح في تعبئة الشعب في الاستفتاء على تعديلات الدستور. الموقف الجديد للمشير يرضي القوى المدنية في دلالته الأولى حيث يعيد الأمر إلى نصابه الصحيح ليعرف المصريون سلطات الرئيس الذي سيقومون بانتخابه من خلال نصوص الدستور الجديد، أما الدلالة الثانية فرآها البعض إشارة إلى احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الأسبوع الأخير من مايو انتظاراً لوضع الدستور الجديد، ما يعني مد الفترة الانتقالية وتأجيل تسليم السلطة لرئيس منتخب. لقد نفى المتحدثون باسم المجلس العسكري إيحاء تأجيل الانتخابات، وطرح البعض مخرجاً يتمثل في انتخاب رئيس مؤقت لمدة سنة بسلطات يحددها إعلان دستوري جديد يصدره المجلس العسكري، وذلك لحين الانتهاء من وضع الدستور، وعاد آخرون للمطالبة بتشكيل مجلس رئاسي مؤقت، وهي فكرة تنسف مبدأ تسليم السلطة لرئيس ينتخبه الشعب سواء كان مؤقتاً أو بفترة كاملة... على أية حال مازال المشهد مفتوحاً والإيحاءات تتدفق بسرعة متزايدة.