ثمة توجه فلسطيني، من المؤكد أن الرئيس أبو مازن غير بعيد عنه، قوامه: أنه قد آن الأوان للفلسطينيين للعودة مجدداً إلى الأمم المتحدة من أجل العمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهذا التوجه يأتي في إطار معركة سياسية يخوضها الشعب الفلسطيني من أجل نقل ملف قضيته إلى الأمم المتحدة، كجزء من مساعي الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره، والوصول إلى الحقوق الوطنية، وكمقدمة أيضاً لمغادرة دائرة المفاوضات التي جعلتها إسرائيل عبثية. ويتعزز هذا التوجه تحت وطأة حكومة يمينية يترأسها نتنياهو الذي يرى أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية والجولان ليس عائقاً أمام "السلام" بل حاجزاً دون الحرب باعتبارهما عمقاً استراتيجياً. كما تقود حكومته، في الوقت نفسه، سياسة موجهة ترمي إلى تصفية معسكري السلام الفلسطيني والإسرائيلي وتعميق الاحتلال الصهيوني، على الرغم من جميع دعوات نتنياهو اللفظية للعودة إلى المفاوضات وقبوله -حسب ادعائه- حل الدولتين، فيما هو -دون مواربة- يسرع في بناء المستعمرات (المستوطنات). ومنذ صعود حكومة نتنياهو إلى سدة السلطة، لم تعرض إسرائيل أي خطة حقيقية في إطار المساعي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بحيث تكون أساساً أو قاعدة لتجديد المحادثات بعد جمودها زمناً طويلاً. ومعروف أن المجتمع السياسي الإسرائيلي بات "يؤمن" بأن إسرائيل ليست العقبة الحائلة دون حل الصراع بل الفلسطينيون الذين لا يعدهم شعباً. لذا، لم يتبق أمام "الفلسطينيين" سوى العودة مجدداً إلى المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وتأييد انضمامها للمنظمة الدولية، خاصة وأنه ومنذ ما قبل أيلول الماضي يزداد تأييد دول العالم لفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، وبالذات بعد اعتراف عدد متزايد من دول أميركا اللاتينية بالدولة الفلسطينية، ورفع دول أوروبية عديدة من مستوى التمثيل الفلسطيني لديها، إضافة إلى إعلان استعداد دول "الاتحاد الأوروبي" للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 "في الوقت المناسب"، حيث يدور الحديث فلسطينياً عن أكثر من 112 دولة باتت تعترف الآن بفلسطين كدولة ذات سيادة. ويتأكد، يوماً بعد يوم، أن الرد بالمثل هو الطريق الأمثل لمواجهة الخطوات الأحادية الإسرائيلية التي باتت تستفز الجميع. فمع التغير المتسارع في الساحة الدولية، ومع إصرار الكيان الصهيوني على الخطوات الانفرادية، ومع فقدان القادة الفلسطينيين للخيار العسكري، عليهم الآن قبل الغد إثبات قدرتهم على التأثير هنا أو هناك بخطوات "أحادية" كذلك. ومما يعزز الخيار الفلسطيني هذا كون إسرائيل تعتمد الخطوات الاستباقية الأحادية لتحقيق سياسة الأمر الواقع على الأرض حتى تصبح أموراً مسلماً بها لا مجال للتخلي عنها، بل إنها تصبح، مع مرور الوقت، مطلباً "شعبياً" إسرائيلياً لا يمكن التنازل عنه! وبما أن "اللجنة الرباعية" ما زالت تخيب الظنون في اجتماعاتها المتكررة، مكتفيةً بالتصريحات دون الانتقال إلى خطوات وربما عقوبات ضد السياسات والممارسات الإسرائيلية، كما حدث في الاجتماع الأخير بواشنطن، فقد بات مطلوباً من القيادة الفلسطينية الرد ولو بخطوات مقابلة "أحادية". إذن، في ظل السياسات الإسرائيلية، أصبحت الخطوات المقابلة الفلسطينية أمراً ضرورياً، بل سياسة مشروعة وطنياً. ومن الأولويات الملحة: العودة مجدداً إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 والقدس عاصمتها، ودعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة للاعتراف بها، ومساعدتها للخلاص من الاحتلال و"الاستيطان". وفي حال تلويح الولايات المتحدة مجدداً بتعطيل مثل هذا القرار في مجلس الأمن بالفيتو، تتوجب، عندئذ، المبادرة إلى دعوة الجمعية العامة للمنظمة الدولية لدورة استثنائية تعترف بفلسطين "دولة غير عضو"، إذ يتعين في ظل تسارع سياسة التهويد الإسرائيلية أن تصبح فلسطين بحدود 1967 "دولة تحت الاحتلال" وليس "أراضي متنازعاً عليها"! وفيما عدا ذلك سيصبح وجود السلطة الفلسطينية، في أعين كثير من الشعب الفلسطيني مجرد "إضافة شرعية" للاحتلال الصهيوني. لقد نعى الوزير الإسرائيلي السابق وأحد مهندسي اتفاق أوسلو (يوسي بيلين) السلطة الفلسطينية وأعلن عن نهاية "عملية السلام"، معتبراً أن "حل السلطة" "أمر لا مفر منه، بل الطريق الوحيد الكفيل بإحداث هزة في الوضع والضغط على كافة الأطراف للالتفات إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، مشدداً على أن "حل السلطة ليس هو ما سيقود إلى عودة المنطقة لدوامة العنف، وإنما استمرار الوضع الراهن القابل للانفجار والفوضى والذي يجب أن لا يستمر. فحل السلطة الفلسطينية سيفرض على إسرائيل عبئاً كبيراً جداً؛ فتعود لإنفاق الأموال مرة أخرى لتوظيف الناس في المجالات المختلفة، وهذا سيؤدي إلى جدل كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، جدل حول مستقبل الأراضي الفلسطينية الأمر الذي لم ننشغل فيه منذ سنوات". ويستدرك بيلين قائلاً: "عليّ أن اعترف أنه، الآن، لا أحد يتحدث عن هذا الحل، وهذا ما يدفعني للقول بأن من يريد إحداث هزة في الوضع السياسي يجب أن يكون أكثر دراماتيكية". أما إذا كانت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية غير مقتنعتين بأطروحة "حل السلطة" وإحداث مثل هذه "الهزة"، فقد بات مطلوباً منهما رفع الغطاء الذي يمرر نتنياهو من خلاله كل مخططاته "الاستيطانية". فهذا الأخير لا يرى في السلطة شريكاً حقيقياً في العملية السلمية، ويماطل في عدم تطبيق بنود اتفاقات أوسلو، بل يمكن القول إنه قام بدفنها، مستمراً في قضم ما تبقى من أرض فلسطينية في القدس والضفة. وعليه، فإن "أضعف الإيمان" في مسيرة منظمة التحرير يستوجب توجهها إلى الأمم المتحدة مجدداً. ومثل هذه الخطوة يجب أن تأتي -حقاً- في إطار معركة سياسية متواكبة مع تحركات جماهيرية ضد الاحتلال، الأمر الذي سيقود إلى نتائج أقلها نقل القضية الفلسطينية من "المستنقع" الحالي، إلى مجرى "النهر" المفتوح على مختلف الاحتمالات، لكنها جميعها احتمالات أقل سوءاً من الحال الراهن! والأمل كبير بأن يفعلها أبومازن ويذهب إلى الأمم المتحدة سريعاً... افعلها يا أبا مازن.