لم يسفر الاجتماع الذي عقد في إسطنبول بين إيران ومجموعة (5+1) أي الدول الخمس العظمى وألمانيا، من أجل إحياء المفاوضات حول برنامج إيران النووي عن التوصل لاتفاق باستثناء الاتفاق فقط على الالتقاء مرة ثانية في بغداد في الثالث من مايو القادم. وكانت الاستجابات لتلك المحصلة مختلطة، كما كان متوقعاً. فقد حاولت حكومات الدول المشاركة في الاجتماع إضفاء صبغة متفائلة على نتائجه، من خلال وصفه بأنه كان"بناءً"، ونوهت إلى أن كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي بدا مهتماً بالمحادثات، وهو ما مثل تغييراً كبيراً بالمقارنة مع المحادثات السابقة. وقد رأى منتقدو الاجتماع، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وعدد من الجمهوريين في الولايات المتحدة، أن الحدث في حد ذاته يمثل "مكسباً" لإيران، حيث إنها لم تقدم أي تنازلات، كما لم توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، واشترت الوقت، وأجّلت الضربة الجوية التي كان يمكن أن توجه إليها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. والحال أن كلاً من إيران ومجموعة (5+1) لديهما من الأسباب ما يجعلهما حريصتين بشأن الخطوات التالية. وقد ألمحت إيران إلى أنه من أجل أن يكون اجتماع بغداد "منتجاً"، فإن البدء في إجراءات بناء الثقة من جانب الغرب، مثل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، سوف يكون أمراً مفيداً. بيد أنه ليس من المرجح أن يحدث مثل هذا الشيء. كما أنه إذا لم يتحقق اختراق خلال اجتماع بغداد، فإن مجموعة جديدة من العقوبات القاسية من جانب الاتحاد الأوروبي، سوف تدخل حيز التطبيق اعتباراً من مطلع يوليو القادم، وهو ما سيجعل من قيام بنك إيران المركزي بإجراء المعاملات مع أوروبا أمراً في غاية الصعوبة. والعقوبات الجديدة إذا ما أضيفت إليها عقوبات أميركية جديدة، سوف لن يكون لها من نتيجة سوى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد الإيراني الذي يعاني من صعوبات بالغة بالفعل في الوقت الحالي. فالريال الإيراني بات ضعيفاً للغاية، والصفقات النفطية غدت أكثر صعوبة، وسلوك النظام يشي بأنه يشعر بالقلق. وهذا كله يعني أن إيران لديها من الحافز ما يجب أن يدفعها لتقديم بعض التنازلات في بغداد لتأجيل تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي، وتعطيل أي خطط للقيام بعمل عسكري ضدها. ويتطلب هذا من الطرفين إعلان إجراءات متبادلة لبناء الثقة في نفس الوقت. وهناك مشكلة تتمثل في أن إيران تعرف بأن الولايات المتحدة تعارض بقوة القيام بأي عمل عسكري ضدها، قبل انتخابات نوفمبر القادم، لأن ذلك سيؤدي لارتفاع أسعار النفط،، وللأضرار بفرص أوباما في الفوز بولاية ثانية، كما قد يعكس للوراء مسار التعافي الهش المسجل من آثار أزمة 2008. والورقة الثانية المهمة التي يمتلكها الإيرانيون هي معرفتهم بأنه ليس هناك شريك من شركاء الولايات المتحدة في المحادثات الحالية، يريد دعم استخدام القوة، وأن بعضهم غير راضين عن احتمال توقف وارداتهم من النفط الإيراني وسط الأزمات الاقتصادية التي يعانون منها. وإذا ما قامت الولايات المتحدة، بتحريض من إسرائيل ربما، بضرب إيران فإنها ستنهي أي فرصة للمفاوضات، كما أن ذلك قد يدفع إيران إلى تطوير سلاح نووي. والسيناريو الوحيد الذي يمكن أن يغير هذه الرؤية، هو إقدام إيران على القيام بعمل طائش ضد الولايات المتحدة كرد فعل على حادث عرضي في مياه الخليج العربي المزدحمة. وإذا ما قام فيلق الحرس الثوري الإيراني، على سبيل المثال، بشن هجوم ضد سفينة حربية أميركية، ونجح في إلحاق ضرر بها أو حتى إغراقها بما قد يترتب على ذلك من خسائر بشرية كبيرة في صفوف الأميركيين... فإن أوباما سيضطر حينها إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران. وقدرة أميركا على الاحتفاظ بالدعم الأوروبي في هذه الحالة سوف تتوقف بالطبع على مدى تناسب رد الفعل الأميركي مع الهجوم الإيراني. بمعنى أنه إذا ما استغلت أميركا الفرصة ووجهت ضربة واسعة النطاق ضد أهداف عسكرية ونووية داخل إيران، بشكل لا يتناسب مع الهجوم الذي شنه الحرس على سفينة في الخليج، فإن ذلك قد يجعلها تجد صعوبة في الاحتفاظ بتأييد أوروبا لمثل هذه الضربة، بل إن رد الفعل الأوروبي يمكن أن يكون سلبياً في مثل هذه الحالة. وربما يصل الأمر إلى إنهاء التحالف الذي تمت تنميته ورعايته بين أميركا وأوروبا بشأن إيران. والخطر هنا يكمن في أنه إذا ما بدا النظام الإيراني مستعداً للتوصل لتسوية بشأن برنامجه النووي، فإن ذلك قد يغري عناصر مارقة في الحرس الثوري الإيراني، تعارض تقديم أي تنازلات للغرب، بالقيام بعمل استفزازي لضمان عدم التوصل لأي صفقة. ومن مصلحة إيران، في المدى الطويل، أن تتوصل إلى حل لموضوع برنامجها النووي على نحو يحفظ لها ماء وجهها. ويجب علينا أن ندرك أن إيران ليست كوريا الشمالية وأنها لا يمكن أن تسمح لنفسها بالتحول إلى "مملكة ناسكة" أخرى معزولة. فعلى النقيض من كوريا الشمالية التي لا يسمح للناس العاديين فيها بالاتصال بالعالم الخارجي، فإن سكان إيران الشباب على معرفة جيدة للغاية بما يحدث في الشرق الأوسط وغيره من الأماكن. وأخشى ما يخشاه النظام الإيراني هو أن تؤدي التداعيات الناتجة عن اليقظات العربية إلى تسريع وصول ثورة مخملية حقيقية إلى طهران. وحدوث مواجهة مع الغرب يمكن أن تؤدي لتعزيز وضع المحافظين الإيرانيين في المدى القصير، لكن التغيير السياسي سوف يصبح أمراً ضرورياً في نهاية المطاف. والسؤال الوحيد الذي يمكن طرحه في هذه الحالة، يتعلق بما إذا كانت عملية التغيير التي ستتم سلمية أم عنيفة. والتوصل لحل متفاوض عليه للموضوع النووي الإيراني، سوف يجعل الاحتمال الأول (التغيير السلمي) أكثر جدوى.