زيارة نجاد لجزيرة أبوموسى المحتلة من قبل إيران منذ أكثر من أربعة عقود، أدخلت الجيران في حيرة من أمرهم، فالإمارات آثرت وواصلت طوال فترة الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، تغليب لغة السلام والتعاون وحسن الجوار وتبادل المصالح المشتركة بعيداً عن استغلال هذه المشكلة السياسية لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. إلا أننا فوجئنا اليوم بالنظام في إيران يفرض "حق القوة" من أجل تغيير قوة حق الإمارات في جزرها المحتلة، التي وضعت من أجلها سياسة واضحة لمطالبها من إيران، والحل واضح منذ عقود ويتمثل في خيارين: إما المحادثات الثنائية المباشرة، وإما اللجوء إلى المحكمة الدولية لقول الفصل فيما هو حق مشروع للإمارات، ولدى الإمارات الأدلة الكافية على حقها وسيادتها على الجزر الثلاث. وهذه السياسة العقلانية من الإمارات تجاه إيران، لم تلق لدى النظام الإيراني أي رد أو خطوة إيجابية تجاه الحل السلمي المطروح من قبل الإمارات، بل إن ما يحدث اليوم من تصرفات استفزازية صارخة وخاصة ما قام به نجاد في الآونة الأخيرة، وهو ما لم يقم به أي رئيس إيراني طوال عقود الاحتلال الماضية، لدليل قاطع على أن فرض الأمر الواقع أصبح جزءاً من السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الإمارات التي مدت يد التفاهم ثنائيّاً ودوليّاً لإنهاء هذا الاحتلال الذي لا يمكن لأي عاقل تقبله أو التغاضي عنه، فضلاً عن فرض واقع جديد على الجزر المحتلة، وهو الأمر الذي قوبل باستنكار شديد من قبل كل القوى المحبة للسلام ولسيادة الأمن والاستقرار في العالم أجمع، فضلاً عن منطقة الخليج التي لا تحتمل توترات جديدة أكثر مما حصل ولا زالت آثاره لم تنته بعد. إن حق الإمارات في استعادة جزرها المحتلة حق ثابت ومبدأ سيادي لا يحتمل المساومة ولا المزايدة من قبل كائن من كان، وخاصة أن الإمارات هي التي طرحت كل الحلول الممكنة على الطاولة الإيرانية المختلة في تعاملها مع موضوع جزرنا المحتلة. فإذا كان ما يرفع من شعارات عن خطاب الإسلام والسلام والعدالة وكل شعارات التقارب وحسن الجوار تاريخيّاً وجغرافيّاً وواقعيّاً لم يوقف إيران عند حدها فضلاً عن تدخلاتها المكشوفة في شؤون دول عربية أخرى، لإضافة المزيد إلى رصيدها الإقليمي، فإنها إنما تراكم النقاط في الجانب السلبي الذي لا يرضي جاراً أو صديقاً. فالعلاقات بين الدول التي تتجاور حول خطوط جغرافية واحدة لا يمكن أن تثمر سلماً إذا ما استمرت التعديّات على حقوق الجوار، وإيران في ممارستها المخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، خاصة مع وجود إشكالية احتلال صارخة لجزرنا من قبلها باعتراف العالم أجمع، إنما تسيء إلى حق الجوار، ولكن تصرفات نظام إيران تدل على أنها تتعامل مع دول الجوار كقوة إقليمية تريد فرض نفوذها وإرادتها رغماً عن كل المبادئ المتعارف عليها في ظل كل القوانين السائدة في العالم! يبدو أن نظام إيران يتعامل مع دول الخليج وغيرها من دول العالم الأكبر من خارج نطاق أي بوصلة تحدد مساراته السياسية، وهي بذلك تمارس أدواراً ذات آثار عكسية من أجل صناعة أعداء وهميين لإقناع الداخل الإيراني بأن إيران "المشروع" العالمي هو المحارب وليس إيران النظام، فهي تقفز إلى الأمام كلما زادت هوة الداخل من حولها فهي الملومة إلا أن النظام يعيش رحلة بحث دؤوب عن شماعات تلو أخرى يعلق عليها أخطاءه الداخلية والخارجية.