إن الظروف المناخية والجغرافية لدولة الإمارات تضعها في مصاف الدول الأكثر اعتماداً على الاستيراد لسد احتياجاتها الغذائية، فهي تستورد ما يقدر بنحو أربعة أخماس احتياجاتها الغذائية من الأسواق الخارجية، الأمر الذي يضع ميزانها الغذائي على المحك، ويجعل البحث عن بديل وأداة لتحسين ظروف الأمن الغذائي يحتل إحدى المراتب الأولى بين أولوياتها. وتعاني الدولة قصوراً شديداً في الموارد الزراعية، بسبب وقوعها في بقعة جغرافية صحراوية تفرض عليها محدودية شديدة في مساحة أراضيها الخصبة الصالحة للزراعة، إلى جانب قصور شديد في الموارد المائية المتاحة للاستخدام، في ظل عدم وجود أنهار تجري عبر أراضيها، بالإضافة إلى انخفاض معدل سقوط الأمطار، ومحدودية مخزون المياه الجوفية، وعدم تجدده بمعدلات الاستنزاف نفسها. ولتتغلب الدولة على مشكلة المياه تلك، فإنها تضطر إلى الاستعانة بتحلية مياه البحر، وهي بديل ما زال مكلّفاً بما يجعله غير صالح لتغطية الاحتياجات المتزايدة للمياه في المجتمعات الحديثة، التي تعيش ظروفاً مماثلة لدولة الإمارات، التي تشهد نهضة اقتصادية وتنموية واسعة، بالتوازي مع نمو سكاني متواصل، وهذه الظروف تجعل النمو المطرد سمة أساسية للطلب على المياه. في ظل هذه الظروف تبدو دولة الإمارات في حالة بحث متواصل عن الطرق والآليات التي تجعلها داخل دائرة الأمان بالنسبة إلى أوضاعها المائية والغذائية، وهي لا تدخر جهداً في هذا الشأن، ونراها تبادر إلى تنويع أسواق استيراد الأغذية لضمان استقرار الإمدادات المستوردة، كما تعمل على بناء مخزون استراتيجي آمن من الأغذية بما يحمي أسواقها من الاختناقات إثر الأزمات الغذائية العالمية غير المتوقعة، كما أن الدولة تبادر إلى الدخول في شراكات استثمارية مع عدد من الدول ذات الموارد الزراعية الوفيرة، من خلال تنفيذ مشروعات زراعية على أراضي تلك الدول، كبديل للاستيراد التقليدي للغذاء. إن تطبيق التكنولوجيات الحديثة في الزراعة، وتطويعها بما يتناسب مع الظروف المناخية والطبيعية الصعبة، يعدان من البدائل المطروحة أمام دولة الإمارات للتغلب على القيود التي تحد من قدراتها الزراعية المتمثلة في محدودية المياه ومحدودية المساحة الزراعية كما سبق القول. ويعد مفهوم "الزراعة المستدامة" إحدى المبادرات المهمة في هذا الشأن، ويعتمد هذا المفهوم على استخدام أساليب زراعية حديثة تعتمد على تكنولوجيات متطورة للري، من شأنها توفير كميات كبيرة من المياه مقارنة بطرق الري التقليدية. وإلى جانب ذلك، فإن هناك بعض طرق الزراعة المستدامة تتيح الزراعة والإنتاج من دون الحاجة إلى تربة، وقد ولجت الدولة هذا المجال منذ فترة ليست بالقصيرة، وهي تمتلك الآن نحو 100 مزرعة تعتمد مفهوم "الزراعة المستدامة". ومع أن عدد المزارع التي تعتمد مفهوم "الزراعة المستدامة" في دولة الإمارات ما زال محدوداً، وما زال إنتاجها لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من احتياجات الأسواق المحلية من المحاصيل والمنتجات الزراعية، وما يعتمد عليها من أغذية، فإنه يحمل دلالة بالغة الأهمية، في ما يتعلق بحرص الدولة على الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة وطرق الإنتاج المتطورة، وتطويعها بما يجعلها قابلة للتوطين. كما تسعى الدولة إلى تشجيع المزارعين المحليين على الاستفادة من هذه التكنولوجيات، واستخدامها بشكل منضبط، وتوظيفها بشكل يخدم المصلحة العامة، ويعود على المجتمع بالمزيد من الأمن الغذائي والحياة الكريمة للسكان. ــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.