الديمقراطية التي كان مفترضاً أن توحد المجتمع على قاعدة المواطنة، تتحول اليوم إلى أداة انشقاق وتمزق اجتماعي تحت رعاية عين السلطة، ولم تكن هذه الانقسامات الفئوية جديدة على مجتمعاتنا، حيث كانت أنظمة الحكم دائماً ترى قوتها في الشروخ الاجتماعية والانقسامات القبلية والمذهبية. وقد مضت عقود طويلة على هذه المعادلة دون أن تعي الدول خطورة اللعب بالنسيج الاجتماعي. واليوم تتصاعد الأزمة في كثير من مجمعاتنا وينساق كثيرون وراء الدعوات المشبوهة دون إدراك خطورة تداعيات المشروع الانقسامي، خصوصاً أن التاريخ يؤكد لنا بأن نهاية النظم السياسية تحدث في ظل الصدام الاجتماعي. في البحرين والكويت نلاحظ ملامح الانقسام واضحة، ففي البحرين اللعبة الطائفية تقود المجتمع نحو الانزلاق، فهناك مطالب إصلاحية يقرها النظام الحاكم، لكن بعض عناصر المعارضة غير قادرة على استيعاب حقيقة أنه لا يمكن إصلاح المجتمع من خلال الدفع بالشرنقة الطائفية التي تتعارض مع أي إصلاح أصلاً. أما في الكويت فقد أصبحت الحرب معلنة بين المتشددين من الطرفين، مما يعمق الانقسام ويدفع بالجميع نحو معارك خاسرة. الدعوة لمراقبة الحسينيات اعتبرت مضايقة للشيعة، في حين أن كل المساجد تخضع للمراقبة من قبل وزارة الأوقاف. ونتيجة لغياب الرؤية الحكومية، تأتي قرارات مرحلية وآنية دون أن تحاول الدولة بذل جهودها في تأكيد أهمية النسيج الاجتماعي. فاليوم تزال علامات مقابر الشيعة، فيرد الشيعة بمزيد من المواقف المتشنجة لما يحدث، ويحول من سب الرسول صلى الله عليه وسلم من أبناء الشيعة إلى النيابة، ويقوم مجلس الأمة بوضع تشريعات متشددة. وهكذا تدخل البلاد في تطاحن بين أجنحة التطرف من الجانبين، وتقف الدولة صامتة عاجزة وكأنها لا حول لها ولا قوة. ورغم كل المناداة بتحريك دور الدولة نحو تطبيق القانون ومنع اللعب بالنار، إلا أنها تبدو غير قادرة على أخذ المبادرة، لاسيما أن أقطاب الأسرة منشغلون بصراعاتهم الداخلية. كنا دائماً نطالب بالكف عن اللعب بالنسيج الاجتماعي، فبالأمس القريب حشدت الطاقات ضد أبناء القبيلة وتم تصويرهم وكأنهم سبب الفوضى والتعدي على القانون في الوقت الذي يعرف القاصي والداني من يحرك مثل هذه الأفعال من داخل بيت الحكم. وهكذا نمر من أزمة إلى أخرى، ولا نعرف ما إذا كانت الدولة تعي خطورة مثل هذه الأفعال المدمرة. الدولة تدرك بأن المخرج بتعلية قيم المواطنة ونبذ الفئوية وترسيخ الهوية الوطنية، أي التعاطي مع المواطنين كشركاء متكافئين في الحقوق والواجبات، لا تنقص انتماءاتهم الفرعية حقوقَهم المادية والمعنوية. فالدولة يفترض فيها أن تنمي مشروعها الوطني وتدفع به عبر كل أدواتها الإعلامية لتجنب الانفجار الاجتماعي، ولكن يبدو أن ثمة في السلطة من يعتقد بأن مزيداً من الانقسام في المجتمع يحقق لهم القوة، بينما حقائق التاريخ بائنة لمن يتعلم. نحن في الكويت نجتر الأزمات، بل نصنعها بأيدينا، غير مدركين لعاقبتها، ليس المحلية فقط وإنما الإقليمية أيضاً وبالتحديد على دول الخليج العربي. نقول كفانا أزمات فالبلاد تنوء بما هي فيه، والحكم بحاجة إلى الرشد في فرض رؤاه وقراراته المستقبلية، وعلينا أن نفهم ونعي أن أهل الكويت كلهم بشيعتهم وسنتهم، بدوهم وحضرهم، متساوون أمام القانون.