قضيتنا هذه الأيام مع النظام الإيراني هي الأزمة "المزمنة" مع الجارة التي ينطبق عليها بيت المتنبي الشهير الذي يصف "شر البلاد" التي لا صديق بها، في شطره الذي يقول "وشر ما يكسب الإنسان ما يصم"، وهو ما يحاكي واقع إيران في نهج أعمال ساستها. فهل يمكن أن يستمر نظام مكروه في الداخل ومنبوذ من الخارج، كل بصماته ومنذ أن تولى السلطة مزيداً من الفتن الداخلية والأزمات الاقتصادية لأهله، والعته السياسي وصناعة الأعداء؟ وبتتبع التصريحات الرسمية للدول، وتعليقات أفراد المجتمع من خلال صفحات الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد في "تويتر" و"الفيس بوك"، تدرك حجم الغضب الذي يشعر به الجميع إزاء هذا النظام. قد يبدو الوجه الإيجابي للأزمات هو قياس مدى فعالية علاقات الدول وحجم التضامن معها. إن المكانة التي بنتها دبلوماسية الإمارات طوال السنوات الماضية، والجهود التي بذلها سمو وزير الخارجية شخصياً خلال الفترة الأخيرة في سبيل توثيق العلاقات والشراكات، أثبتت فاعليتها، فردة فعل الدول الصديقة القريبة منا والغربية كانت سريعة، وكانت قوية رغم أن مثل هذه التصريحات ومواقف الحكومات تحتاج في العرف الدبلوماسي إلى مداولات وإجراءات وتنقيحات وقياس للرأي والمصالح... ما يعني فترة زمنية ليست بالقصيرة. وأيضاً كانت هناك صورة رائعة من تلاحم أبناء الوطن بمختلف أطيافه، فصوتهم وموقفهم كان واحداً، حيث عبّروا أدبياً وعملياً عن حبهم وولائهم للوطن ولقيادته، عندما وجدوا جهازاً إعلامياً يمكنه نقل أصواتهم سريعاً، ومن غير رقيب ولا تشذيب للكلمات كما في الإعلام الجديد. تفرح وأنت تقرأ غضبة أستاذ جامعي رزين أو شاعرة رومانسية تخلّت عن مفردات الغزل، أو عبارات استخدمها مراهق صغير يعبر فيها عن حبه لوطنه على طريقته. هناك مكاسب كبيرة حققتها الدولة في السنوات الأخيرة على رأسها: السياسة الخارجية، والريادة في صناعة السياحة والمكانة الدولية في عالم الطيران، كذلك في مشاريع الأعمال الإنسانية التي ارتبطت باسم الإمارات في كل بقاع العالم، وفي الاقتصاد والتجارة والعمران، وفي الثورة الإدارية والتدريب واستخدام التقنية. وفي أن نكون مجتمعاً "كوزموبوليتانيا" وسط محيط إقليمي مغلق. لكن الذي ينقصنا -وقد نتفق عليه جميعاً- هو وجود الإعلام القوي الذي يعبر عن كل هذه النهضة والتقدم وهذه النجاحات. لا نتحدث هنا عن وسائل إعلامنا المحلية، فهي تقوم بدورها كما تراه وكما تجتهد في تحقيقه، وبعض وسائل الإعلام حقق نجاحات وله مكانة إقليمية رائدة، خاصة في مجال الصحافة الورقية، وبعضه يمارس مهامه بصورة تقليدية، وآخر خارج السرب، والبعض منه منغلق وضعيف... ليست هنا إشكالية. إنما الحديث عن إيجاد إعلام مؤثر على الصعيد الدولي يمكنه أن يدعم ويقوي -وأيضاً يحرس- الصورة الذهنية والإنجازات التي حققتها الإمارات. سيدافع عنك الذين يحبونك في مثل هذه المواقف، لكنك تحتاج إلى إعلام قوي دائم، ويتطور باستمرار، يساهم في دعم المكانة التي حققتَها. اليوم الموضوع الذي يشغل خبراء الإدارة هو الأزمات وكيفية إدارتها، وفي أولوية ذلك يضعون قوة الإعلام الذي يمكن أن يكون هو الرهان الأقوى للتغلب على الأزمة. وهناك كتب ودراسات تتحدث عن "إعلام الأزمات"، كيف عليك أن تتصرف إعلامياً في الظروف والأحداث المستجدة؟ قد تنتهي الأزمة ولكن الإعلام لا ينتهي عند ذلك، فأدواره تتوالى، والأهم أن يكون صادقاً وشفافاً ومتواصلاً. قبل أسبوع كانت الـ BBC العربية تبحث عن متحدث من الإمارات يمكن أن يشارك في حوار عن المنظمات "المشبوهة"، وطريقة عملها في الدول العربية، وموقف الإمارات الحكومي والشعبي منها. وكثيراً ما كانت CNN من جانبها تثير قضايا عديدة عن الأمن أو الاستقرار أو الاقتصاد في المنطقة، وتبحث عن متحدث من هنا، كما قد تأتي اتصالات من إذاعة "مونت كارلو"، أو من التلفزيون الكوري أو الصيني أو الإيطالي أو الهندي أو الروسي أو القنوات العربية... في مناسبات وأحداث مختلفة. طلبات كثيرة يمكن أن يتلقاها أي فرد متخصص أو جهة معنية، إنه إعلام دولي يبحث عن متحدث من الإمارات. وأول ردة فعل للمتلقي هي أن يبحث في ذاكرته عن أفضل متحدث يمكن أن يغني هذا الموضوع، وأصعب إجابة عنده هي أن يحدد الجهة التي يمكن أن يدلهم عليها، حتى يمكنهم التواصل مع الفرد المتخصص. واليوم في دولة الإمارات، هناك شخصيات غنية بمعارفها ومهاراتها وعلاقاتها، وفي مختلف المجالات والعلوم، مخلصة لوطنها وتلقى الاحترام من الجميع، فلماذا لا تستثمر هذه الطاقات لتكون صوتَ الإمارات في المحافل الدولية؟ في هذا الوطن: كم من أستاذ جامعي قدير، وباحث متمكن، وإعلامي مميز، ومتحدث مثقف مفوّه، ودبلوماسي بارز، واقتصادي متمرس..؟ ماذا لو استثمرنا هذه الوجوه وهذه الخبرات لتكون الصوت المتمكن، متعدد الخبرات والمهارات، والذي يمكن أن يسمعه العالم، يخاطبه بلغاته وثقافاته في إعلامه. هذا لا يعني تكرار تجربة "الناطق الرسمي" التي حاولت وزارات الدولة إقرارها في السنوات الماضية، ولم تثبت فاعليتها لا داخلياً ولا خارجياً، وإنما نتحدث هنا عن الناطق الشعبي باسم المجتمع، الذي يعكس وجهة نظر مجتمع الإمارات، حين يتحدث ويتحاور فيسمعه الجميع في فضاء الإعلام المفتوح. في الإعلام نحتاج إلى مختلف الخبرات والأجيال، إلى المرأة والرجل، لأن نجاحاتنا عديدة، والقضايا التي تطرح وتستجد عديدة أيضاً، والإعلام الخارجي يحاول سماع وجهة نظر الإمارات، المجتمع أو الفرد المثقف فيها، وفي حالات علينا أن لا ننتظره يطرق أبوابنا، بل علينا أن نبادر ونتواصل معه ونسمعه وجهة نظرنا. ذلك لا يتم من غير تأهيل، كيف عليك أن تحدد الأسماء والخبرات ودعمها وتقديمها، مثلما هو الدور الذي تقوم به الحكومات أو المنظمات أو حتى الشركات الدولية التي لها تجارب ونجاحات في هذا المجال، تحدد الفريق المرشح، تصقله من خلال البرامج والدورات المتخصصة، حتى يكون خبيراً متمرساً في ميدانه، ملماً بشروط لعبة الإعلام. ليس شرطاً في عمل هذه المنظمات والشركات أن يكون صوتها من الموظفين التابعين لها، قوة صوتها تنبع من الأفراد المستقلين لكنهم من الفريق المتخصص الذي يمكن أن يتحدث بتجرد، من غير أن يستخدم لغة الترويج المباشرة أو الدفاع الرسمي، فلابد أن يلقى الثقة من المتلقي ويفرض عليه احترامه ويكسب تأييده. قد لا يكون هذا دور المؤسسات الحكومية، إنه من مهام الهيئات المجتمعية. لكنه في كل الأحوال يحتاج إلى إمكانات وشراكات، فالإعلام صناعة في المقام الأول، وهو فن يحتاج إلى مهارات وعلاقات. هل علينا أن نبدأ التنفيذ... الظروف واختلاف الأزمات التي تصدّر لنا تقول لابد من فعل ذلك.