في ربيع 1980، احتدم التنافس على الترشيح الرئاسي "الجمهوري"، واتخذ منعطفاً قبيحاً؛ وآنذاك قال رونالد ريجان المرشح الأوفر حظاً إن منافسَه الرئيسي جورج دبليو. بوش ليس محافظاً حقيقياً. فشن بوش هجوماً مضاداً متهماً ريجان بالترويج لـ"اقتصاد الشعوذة" و"قائمة من الوعود الزائفة". ولكن بعد أربعة أشهر على ذلك، كان بوش هو من وقع عليه اختيار ريجان ليترشح معه للانتخابات كنائب للرئيس، ونفى أن يكون قد استعمل كلمتي "اقتصاد الشعوذة" – أو على الأقل، نفاه إلى أن عثرت "إن. بي. سي. نيوز" على شريط فيديو للخطاب. ومع ذلك، فقد عمل بوش لثماني سنوات إلى جانب ريجان وفاز بدعم رئيسه عندما ترشح لمنصب الرئيس في 1988. وفي ربيع 2008، احتدم التنافس على ترشيح المرشح الرئاسي "الديمقراطي" واتخذ منعطفاً قبيحاً، حيث قالت المرشحة الأوفر حظاً هيلاري كلينتون إن أوباما "كثير الأقوال وقليل الأفعال" واتهمته بأنه ليس مؤهلًا لقيادة البلاد في أزمة. فرد أوباما على ذلك بإعلانات تلفزيونية تتهم كلينتون بـ"الممارسات السياسية القديمة القائمة على توجيه اتهامات زائفة وهجمات باطلة"؛ كما اتهم مساعدوه زوج هيلاري بمحاولة لعب ورقة العِرق. غير أنه بعد أربعة أشهر على ذلك، رحبت هيلاري في المؤتمر الوطني لـ"الحزب الديمقراطي"، بترشيح أوباما، وبعد ستة أشهر على ذلك أصبحت وزيرة خارجيته. وهذا الربيع، احتدم التنافس على الترشيح الرئاسي "الجمهوري" واتخذ منعطفاً قبيحاً مرة أخرى، حيث هاجم المرشحُ الأوفر حظاً "ميت رومني" منافسه "ريك سانتورم" باعتباره "منفقاً كبيراً" نظراً لأنه صوت على رفع سقف الدين الفيدرالي خمس مرات. وبالمقابل، سخر سانتورم من رومني باعتباره "أكبر متقلب"، و"أسوأ جمهوري في البلد يمكن أن يواجه أوباما". ولكن كان هذا بالأمس. فبعد دقائق معدودة على إعلان "سانتورم" يوم الثلاثاء الماضي قراره وقف حملته الانتخابية، أكد مساعدوه للصحفيين أن البنسلفاني (نسبة لولاية بنسلفانيا) المنهزم سيدعم المرشح المفترض. بعبارة أخرى، إن صراع هذا العام كان جزءاً من تقليد طويل للسياسة الحزبية الأميركية. ففي حملة الانتخابات التمهيدية، يقوم المتنافسون بشن الهجمات على مؤهلات ونزاهة بعضهم البعض، ثم سرعان ما ينقلبون ويتراجعون عن ذلك حالما يتم الفوز بالترشيح، ويغدقون المديح على من كان "متقلباً" الشهر الماضي باعتباره الأميركي الأنسب لقيادة العالم الحر. وهذا العام لن يكون مختلفاً. فـ"رومني" ما زالت لديه مشاكل عالقة مع "نيوت جينجريتش"، الذي يرفض بهدوء قراءة نتائج الانتخابات، ومع "رون بول"، الذي يقود حركة تحررية لا تتوقع الفوز بالرئاسة هذه المرة - ولكن حتى جينجريتش وبول، ورغم كل خطاباتهما المهدمة، يقولان إنهما سيدعمان مرشح الحزب "الجمهوري" النهائي. و"رومني" سيحتاج إلى دعمهم - ولاسيما دعم "سانتورم". وبالفعل، فـ"رومني" يحتاج إلى "سانتورم" في هذه اللحظة أكثر من حاجة "سانتورم" إلى "رومني". ذلك أن "رومني" كافح من أجل إقناع "الجمهوريين المحافظين" بأنه واحد منهم، رغم سجله المعتدل نسبياً حين كان حاكماً لماساتشوسيتس. غير أنه سيكون من الصعب عليهم نسيان شريط الفيديو القاتل من حملته الانتخابية لمجلس الشيوخ في 1994 ضد تيد كينيدي عندما قال: "إنني لا أحاول العودة إلى سياسات ريجان-بوش". ولعل أكثر ما يحتاجه "رومني" هو أن يقوم "سانتورم"، الذي تعتبر مؤهلاته كمحافظ اجتماعي ثابتة ولا جدال فيها، بوضع يده على قلبه ويقول للجانب الأيمن من ناخبي الحزب "الجمهوري" إن "رومني" يستحق دعمهم في سباقه القادم ضد أوباما. فذلك الدعم، إضافة إلى بعض مئات إضافية من المندوبين، سيحرر "رومني" حتى يشرع في تحويل خطاب حملته الذي طال انتظاره من المعارك الداخلية بين "المحافظين" خلال الأشهر الأربعة الماضية نحو الناخبين الأكثر اعتدالًا واستقلالية الذي سيحتاج إليهم من أجل التغلب على أوباما. ولكن ماذا سيريد "سانتورم" بالمقابل؟ ربما سيرحب ببعض المساعدة من "رومني" في ما يتعلق بجمع تبرعات مالية لتسديد دين حملته الانتخابية، ولكن أكثر ما سيريده هو شيء منحته إياه الحملة منذ بعض الوقت، ألا وهو مستقبل سياسي. فقبل عام فقط، كان "سانتورم" سيناتوراً سابقاً مجهولاً، معروفاً بالخصوص بآراء اجتماعية متشددة والهزيمة النكراء التي مني بها على أيدي ناخبين بنسلفانيا في 2006. ولكنه اليوم بات الزعيمَ المفترض لقطاع كبير من الحزب "الجمهوري" – وفي سن الثالثة والخمسين، أصبح هو المرشحَ الرئاسي الممكن خلال السنوات المقبلة. فربما يكون "سانتورم" قد خسر الترشيح، ولكن حملته بكل المعايير الأخرى شكلت نجاحاً مبهراً. المطلعون على أحوال الحزب "الجمهوري" يعتقدون أنه من غير المرجح أن يختار "رومني" سانتورم كمرشح لمنصب نائب الرئيس، ليس لأن جروح المعركة مازالت جديدة ولم تلتئم بعد، فذلك لم يمنع ريجان من اختيار بوش، أو خمسة مرشحين رئاسيين آخرين منذ 1960 من اختيار منافسين سابقين في الانتخابات التمهيدية. ولكن لأنه تبين خلال الحملة الانتخابية أن البنسلفاني (سانتورم) يميل إلى ارتكاب الأخطاء. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا الرجل لم يستطع ضمان الفوز للحزب "الجمهوري" في الولاية التي ينتمي إليها، وهو شرط آخر لا بد من توفره في أي زميل متسابق. كما أنه من غير المرجح أن يتطلع "سانتورم" إلى منصب في الإدارة المقبلة، وإن كان بعض الرؤساء قد أعطوا هذه المناصب لمنافسين سابقين من قبل. ولكن إذا كان "سانتورم" يرغب في الترشح للرئاسة مرة أخرى في 2016 أو 2020، فإن ما يرغب فيه الآن هو الشرعية والاحترام: خطاب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في تامبا (فلوريدا) في أغسطس المقبل؛ وفرصة لترك مندوبيه يُحدثون بعض الضوضاء، وفرصة لإظهار مؤهلاته الجديدة باعتباره المرشح الرئاسي الذي حل في المرتبة الثانية - في حزب درج على منح من يحتل المرتبة الثانية فرصة أخرى في المرة التالية. أشياء يشير التاريخ إلى أن أفضل طريقة للحصول عليها هي أن تكون خاسراً جيداً! دويل ماكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"