لعل أفضل طريقة يمكن أن نلخص بها استراتيجية أوباما للسياسة الخارجية في هذه السنة الانتخابية هي وعد "ويليام باكلي" الشهير: بـ"الوقوف في الاتجاه المقابل للتاريخ والصياح: توقف!". ذلك أنه حيثما استعرت حرب ما، أو ظهرت أزمة ما، أو حملق زعيم عنيف في العالم متحدياً، فإن الرسالة التي تصدر عن البيت الأبيض هي نفسها: امنحني بعض الوقت. لقد كانت تلك هي الكلمات الدالة والمعبرة التي التقطها ميكروفون غير مغلق عندما التقى أوباما نظيره الروسي في السادس والعشرين من مارس الماضي، وأعقبها تطمين بأنه "بعد انتخابي، سيكون لدي قدر أكبر من المرونة". وفي اليوم التالي، قال أوباما على نحو دفاعي إنه كان يتحدث عن المفاوضات حول مراقبة الأسلحة، مضيفاً "لا أعتقد أنها مفاجأة كون المرء لا يستطيع الشروع في ذلك قبل بضعة أشهر على انتخابات رئاسية وتشريعية". بيد أن الحكومة الروسية ليست مصدر الإزعاج الوحيد الذي يحاول أوباما إرجاء التعاطي معه. فقبل أسبوع من لقائه مع ميدفيديف، اتصل أوباما هاتفياً مع الزعيم الفلسطيني، الذي كان غائباً عن معظم "شاشات الرادار" منذ أن تخلى عن محاولة الحصول على اعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة الخريف الماضي. ولكن لماذا محاولة التقرب الرئاسية المفاجئة هذه؟ عباس المستاء كانت تراوده بعض الأفكار بغية جذب الاهتمام العالمي - مثل إغلاق حكومته. وهكذا، فالأرجح أن البلاغ اللطيف الذي صدر عن البيت الأبيض، ويشير إلى أن "الزعيمين اتفقا على ضرورة حل الدولتين... وعلى أن تمتنع كل الأطراف عن أعمال استفزازية"، كان منقوصاً ومبتوراً بكل تأكيد. فهل يمكن أن يكون ثمة شك في أن عبارتي "بعد الانتخاب" و"قدر أكبر من المرونة" لم تردا في تلك المكالمة؟ نتنياهو لقي المعاملة نفسها، فبعد أن حدد لقاءً مع أوباما في الخامس من مارس الماضي بالمكتب البيضاوي من أجل مناقشة حاسمة ربما لضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، وجد نفسه أمام مناورة محبوكة بإتقان، ذلك أن وعود أوباما بالتحرك عندما تدعو الحاجة إلى ذلك وتطميناته العلنية بأن اللحظة مازالت بعيدة بسنة أو أكثر، جعلت نتنياهو يعود إلى إسرائيل بحجة صعبة في حكومته من أجل إصدار أمر بهجوم إسرائيلي – على الأقل لبضعة أشهر إضافية. وفي هذه الأثناء، فإن الحرب الأهلية قد تستعر في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من سقوط آلاف القتلى وتأثيرات كبيرة ربما على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية. غير أن أوباما مصمم على عدم القيام بأي شيء من شأنه سحب ما أعلنه بكل فخر في خطابه السياسي من أن "مجرى الحرب أخذ ينحسر". وفي المفاوضات التي بدأت يوم السبت مع إيران، تركز الإدارة أيضاً على صفقة من أجل كسب الوقت، صفقة توقف أخطر الأنشطة النووية الإيرانية وتثني إسرائيل أكثر عن تنفيذ ضربة عسكرية – تاركةً المشكلة الجوهرية لتحل لاحقاً. والواقع أن تأخير أوباما النظر في قضايا دفاعية يعود إلى التاسع والعشرين من فبراير، عندما أعلنت وزارة الخارجية عن صفقة تقضي بمقايضة 240 ألف طن من المواد الغذائية بتعهد من جانب كوريا الشمالية بتجميد برامجها الخاصة بالصواريخ والأسلحة النووية؛ حيث تحدث الدبلوماسيون بإيجابية عن إمكانية أن تكون بيونج يانج مستعدة لعقد سلام مع العالم الخارجي. ولكن الهدف الأكثر براجماتية كان واضحاً: بضعة أشهر من السلام والهدوء. وهذا يجرنا إلى مسألة الضعف في استراتيجية أوباما: فهي تسلم السيطرة على الأحداث إلى أمثال كيم أون ابن الثامنة والعشرين ربيعاً. والأكيد أن الهدوء المؤقت الذي اعتقد أوباما أنه كسبه في شمال آسيا قد زال بعد 16 يوماً فقط مع إعلان كوريا الشمالية عن عملية إطلاق صاروخ طويل المدى التي تمت يوم الجمعة، حيث تبين أن الاتفاق كان مجرد فخ. واليوم وقد سحبت إدارة أوباما المساعدات الغذائية الموعودة، ستكون لدى النظام الشمالي إشارة لتنفيذ اختبار الأسلحة النووية الذي يتوقعه خبراء كثيرون. في سوريا أيضاً قد يكون التأخير كارثياً. فمثلما قال المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية المكلف بالشرق الأوسط جيفري فيلتمان للكونجرس في الأول من مارس الماضي، فإنه "من المهم أن يتم بلوغ نقطة التحول بالنسبة للنظام بسرعة، لأنه كلما هاجم النظام الشعب السوري لفترة طويلة، كلما ازدادت احتمالات حرب شاملة في دولة فاشلة". والحال أنه خلال الأشهر الستة التالية كان أوباما سلبياً ولم يقم بشيء يذكر، مسلِّماً ملف سوريا إلى الأيدي الدبلوماسية الضعيفة وغير الفعالة متمثلة في أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، هذا في وقت قُتل فيه نحو ألف سوري إضافي، وبدأ فيه اتفاق وقف إطلاق النار للأسبوع الماضي يتداعى. ولكن بهذه الوتيرة، يمكن القول إن "الحرب الشاملة" التي توقعها فيلتمان قد تحدث قبل نوفمبر بوقت طويل. أما بالنسبة لإيران، فيمكن القول إنه في حال قبلت طهران بالصفقة، فإن الزخم الذي تمكنت الإدارة من البناء عليه وراء العقوبات، وما نتج عن ذلك من ضغط على الاقتصاد الإيراني، سيتكسر. والحال أنه إذا قام النظام بالغش بعد ذلك، أو رفض التفاوض بشأن حل أطول لسعيه وراء التكنولوجيا النووية، فإن أوباما قد ينهي ولايته في ظل واقع تكون فيه إيران أقرب من انتاج قنبلة ذرية مما كانت عليه في 2009. ولكن، ماذا إذا لم توافق إيران وانهارت المحادثات؟ في تلك الحالة، ستتوقف جهود أوباما الرامية إلى إيقاف التاريخ حتى نوفمبر المقبل، مرة أخرى، على رجل يرغب ربما في رؤيته يخسر الانتخابات، إنه: نتنياهو. وتلك هي مشكلة طلب "بعض الوقت": لأنه يميل إلى أن يُستغل من قبل آخرين! جاكسون ديل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"