عاد الجدل في دول الخليج العربية بشأن الحركات الإسلامية بعد أن ازداد نفوذها في بلدان "الربيع العربي"، ثم وصولها إلى مجلس الأمة الكويتي، وتعالي نبرتها في مجلس النواب البحريني. وأتت التحذيرات من صعود الإسلاميين من الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي قبل عدة أشهر، حين حذّر من تزايد نفوذ "الإخوان المسلمين" في المنطقة، ثم دعّم كلامه الفريق ضاحي خلفان الذي حذّر هو أيضاً من مساعي ومحاولات "الإخوان" في الخليج. وقوف "الإخوان المسلمين" والتيارات السلفية في الخليج مع ثوار سوريا ضد نظام الأسد الاستبدادي، خلَق انشقاقاً في صفوف الشعب الخليجي وفي الإسلام السياسي نفسه؛ فالسنّة من الإسلاميين يدعمون الحكومة البحرينية ضد معارضيها من الشيعة، أما في حالة سوريا فنجدهم يدعمون الثوار ضد حكومتهم. والعكس صحيح بالنسبة للحركات الإسلامية الشيعية التي دعمت معارضة البحرين، وليس نظامها ودعمت نظام سوريا ضد شعبها. ولعل هذا الموقف الإسلامي المتشدد هو أحد دوافع الحكومات الخليجية لاتخاذ مواقفها المعروفة إزاء سوريا وإيران التي تؤيد نظام الأسد. وكان طرح التيارات الإسلامية قبل الانتخابات البرلمانية الكويتية في فبراير الماضي، وسطياً إلى حد ما، حيث أكدت إيمانها بالدولة المدنية والحفاظ على الدستور والقانون، ودعت للإصلاح ومحاربة الفساد وملاحقة النواب المتهمين بالفساد، كما أكدت على التزامها بالوحدة الوطنية... لكن عند وصولها إلى قبة البرلمان بدأت الصورة تتغير، حيث كانت أول مطالبها هي تغيير المادة الثانية من الدستور، بحيث يصبح الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع بدلاً من القوانين الوضعية، كما طالبت بأسلمة القوانين واقتراح لباس الحشمة للنساء، وأثارت موضوع مراقبة الحسينيات في الكويت، ومنع احتفالات التخرج المختلطة في الجامعة الأميركية... بل وصل التطرف والمغالاة في الدين إلى تصويت مجلس الأمة في مداولته الأولى على فرض عقوبة الإعدام على كل من يتطاول على الخالق سبحانه، وعلى الرسول الكريم وزوجاته أمهات المؤمنين. وقد حذّر وزير الأوقاف والعدل الكويتي من أن هذا القانون يمثل التجربة الأولى لأسلمة القوانين، مطالباً بإخضاعها للحكمة والتعقل، وعدم الاستعجال في إقرار قوانين من دون دراستها، فالعجلة مرفوضة في أمور الدين. أما في البحرين فتظاهرت المجموعات السلفية ضد وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي محمد آل خليفة لدعوتها فِرَقاً عالمية للموسيقى، وبعض العروض الفنية والمسرحية، حيث طالب النائب السلفي محمد إسماعيل عمادي بإقالة الوزيرة ومنع الغزو الغربي الثقافي للبحرين! إن وصول تيارات الإسلام السياسي إلى البرلمان في كل من الكويت والبحرين ليس نهاية المطاف، كما يتصور كثير من المتشائمين، بل نرى أن وصولهم للسلطة يفتح أبواب الصراع، خصوصاً أن هذه القوى استخدمت الديمقراطية سلاحاً للوصول إلى السلطة، برفع شعار الحفاظ على الدستور والوحدة الوطنية، لكنهم اليوم يكشفون عن مآربهم الحزبية الضيقة. لذلك فالمطلوب من أنصار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان توحيد صفوفهم... فالمعركة لا تزال في بدايتها.