العلاقات بين الجيران لا تحتمل الكثير من الكلام والوصف المنمق لحدود التداخل بين المشاعر والجغرافيا. فالمشاعر أكثر سطوة مما تريده سلطات الحدود، والقلوب تمتلك من الاتساع ما تعجز عنه القرارات الرسمية. ومن البديهي أن تمر الغيوم على العلاقات، بين الدول، وبين الإخوة، في محيط الأسرة الأكبر، أو حتى داخل غرفة البيت الواحد، فالفضاء الممتد بين بلد وآخر، وبين قلب وثان، من ضمن أبجدياته مرور الغيوم السوداء كالبيضاء تماما، والجالسون تحت ظلها يبتهلون أن تأتي كل السحب، على اختلاف ألوانها وتكاثفها، بالخير العميم، بما يسرّ البلاد والعباد. وكانت علاقات الجوار العُمانية دالة دوماً على الخير العميم، عُمان المادّة يدها بالمحبة لجيرانها، وهذا شأن جيرانها معها أيضاً، مدركة تماماً لمفخخات الحدود وضخامة فواتير ما قد يحدث لو لم توضع مفاتيح الأمان المرسومة بشعار الاحترام المتبادل في أمكنتها الصحيحة. ولم يكن الجار الإماراتي أقل حرصاً من غيره، في نزع فتيل مفردات يحوّلها البعض في مناطق أخرى بوطننا العربي، وبحكم العقلية القبلية، إلى أصوات بنادق، وصراع ثارات، تتناسل من بعضها البعض. هكذا عادت الروح بين الشقيقتين، لأن صوت الحكمة في مسقط وفي أبوظبي أعلى من أصوات تنفّر أكثر مما تقرّب، وأسمى حكمة من عقول (أو قلة عقول) تُعلي نعرات لا مكان لها بين بلدين اعتبرا نموذجاً في علاقات حسن الجوار، والتداخل الأسري حتى أن المرتحل بينهما لا يشعر بالفارق الجغرافي أو الإنساني أو الزمني، حيث التوقيت واحد. عُمان والإمارات كل منهما تدرك ما تعنيه الأخرى لها، ليس هذا من باب الكلام الإنشائي الذي يمارسه الخطاب الإعلامي، بل قدر لا مجال سوى للاعتراف به. عُمان هي الامتداد الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي هي أيضاً امتداد استراتيجي لعُمان، على مستويات عدة يأتي أولها السياسي، وليس آخرها الاقتصادي. هذا الامتداد لا يخضع لتجاذبات (وحساسيات) سببها نتيجة مباراة في كرة قدم... ولا لتدابير أمنية (لها مبرراتها) على الحدود المشتركة، ولا إلى أي مراهقات (سياسية) أو شبابية تنفخ في جمر الحوارات داخل المنتديات لتشعل النار في الثياب التي حرص زايد وقابوس منذ بدايات النهوضين الإماراتي والعُماني أن تبقى بيضاء، كبياض القلوب دائماً. يوم أن كانت الفواصل بين البلدين جبالاً جرداء ورمالًا تحركها الرياح كل يوم لم تكن الإمارات وعُمان سوى الوطن الذي يجمع الناس تحت رايات السلام والبحث عن لقمة عيش كريمة، وحين تأسست الدولتان بحكمة وبعد بصيرة بقيت أواصر المحبة والاحترام قائمة ضمن النسيج الإنساني الذي نبت في أرض طيبة أخرجت أشجاراً طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فكانت الإمارات بوابة العُمانيين نحو فضاءات الاقتصاد والتجارة، وكانت عُمان الجارة المخلصة في جوارها، اليد الممدودة بالمحبة دائماً لجيرانها، فكل منجز عُماني هو رصيد آخر لكل إماراتي، كما هي كل الصروح التي تبنى في دولة الإمارات. حتى والغيوم تطل عابرة كانت الحدود بين البلدين حركة دؤوبة في التنقل، وكانت وسائل الإعلام في البلدين مفخرة في خطابها الذي ساده الاحترام وحسن التعامل، والنظر بحكمة تقرب بين الشقيقتين، لأن السماوات العامرة بالمحبة لا تسمح إلا بالخير وحده يعبر المسافات... بين مسقط وأبوظبي، مطراً يسقي الأرض الطيبة بما تستحقه من طيب. لقاء جلالة السلطان المعظم بأخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان تأكيد على حكمة تطمئننا على مستقبل هذه العلاقة الاستثنائية بين جارين كأنهما شعب واحد. محمد بن سيف الرحبي إعلامي وكاتب عُماني