تشتد الآن الحملة الانتخابية الفرنسية، ويزداد السجال السياسي والحزبي بين داعٍ لدعم الرئيس منتهي الولاية نيكولا ساركوزي، وآخر مؤيد لإخراجه من قصر الأليزيه وإتاحة الفرصة للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، أو حتى مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، وغيرهما من مرشحين آخرين أقل حضوراً وتأييداً، وضمن هذا الجو المحموم يأتي كتاب الصحفي الفرنسي أريك برينيه، الذي كتبه أصلاً استعداداً للحملة، مغرداً خارج سرب الاتجاه العام للصحافة الفرنسية، التي لا يكاد يوجد فيها من يضمر وداً كبيراً لسيد الأليزيه. ومن العنوان: "لماذا سيفوز ساركو" يكشف المؤلف عن موقفه مؤكداً أن زعيم اليمين الحاكم، كان وما زال هو أفضل خيار للناخب الفرنسي، لضمان زعامة قوية وفعالة، لا يوجد ضمن مرشحي القوى السياسية الأخرى من يسار تقليدي ويسار ويمين متطرفين من تتوافر فيه، زاعماً أن حصيلة خمس سنوات من حكم ساركوزي -أو كما يسميه بالطريقة الدارجة الشعبية "ساركو"- تؤهله للاستمرار في الحكم، وهي حصيلة إيجابية، بكل المقاييس، حسب رأيه. ولاشك أن الكاتب يجازف بهذا الموقف المثير للجدل المدافع عن ساركوزي في اللحظة الأخيرة من ولايته الرئاسية، وفي وقت تنهال عليه فيه سيول من سهام النقد من اليمين واليسار الفرنسيين معاً، وأيضاً مما بينهما من مدارس سياسية وتوجهات متنافرة. بل إن الهجوم على ساركوزي يكاد يكون الآن رياضة صباحية، إن لم يكن هو السلوك الوحيد الجامع لمختلف أطياف المشهد الصحفي الفرنسي. غير أن الكاتب، الذي يتهم الصحافة الفرنسية عموماً بأنها مجيَّشة من قبل اليسار، ولا يكاد يوجد فيها أي صوت لليمين إلا ما ندر، تخطئ بشكل فج في تقييمها المتحامل على أداء ساركوزي وحصيلة سنوات رئاسته الخمس. ويعتبر الكاتب أن أي تقييم موضوعي بعيد عن تحامل صحافة اليسار، ومزايدات اليمين واليسار المتطرفين الغوغائيين، من شأنه أن يصب في صالح ساركوزي، ففي السياسة الخارجية التي سجل فيها أكبر نجاحاته أعاد لفرنسا مكانة وحضوراً دوليين لا عهد لها بمثلهما منذ أيام الرئيس الأسبق الجنرال ديغول. وقد أعاد تأسيس تحالفاتها مع القوى الدولية الكبرى، وحولها إلى رافعة للموقف الدولي في أزمات وقضايا مصيرية في الفضاءين الأوروبي والمتوسطي، وفي بقية العالم أيضاً. وفي السياسة الداخلية التي يتعرض ساركوزي للنقد الحاد فيها بشكل خاص، لنتصور فقط الكيفية التي كان سيواجه بها أي رئيس فرنسي آخر تداعيات الأزمة المالية العالمية الجارفة، على أوروبا وعلى فرنسا التي تراجع أداؤها الاقتصادي بشكل كبير حتى قبل مجيء ساركوزي إلى قصر الأليزيه. وقد عرف الرئيس عموماً كيف يدير المواجهة بطريقة فعالة مع كل تلك التحديات التي استجاب لها بأفضل الطرق المناسبة. وبالنظر إلى هذا السجل الحافل في عمومه، على رغم الصعاب، فإن توجه الناخبين الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع في آخر هذا الشهر، لإعادة الثقة في ساركوزي يغدو مجرد تحصيل حاصل. وأكثر من ذلك، يقول الكاتب، لو استشرنا تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة نفسه فإننا سنخرج بذات التوقع أيضاً، إذ لم يسجل خلال الخمسين سنة الماضية خروج أي رئيس منتهي الولاية من قصر الأليزيه سوى مرتين، "بومبيدو" الذي توفي في الرئاسة، أو فاليري جيسكار ديستان الذي خسر بعد فترة ولايته الرئاسية الأولى في وجه فرانسوا ميتران بداية الثمانينيات. ومعنى هذا الاستدعاء التاريخي -شبه الرغائبي- أن أغلبية الفرنسيين بطبيعتهم محافظون سياسيّاً ويفضلون الرئيس الذي يعرفونه عموماً على أي مرشح آخر ما زال قيد التجريب. وهذه الميزة، أو المزاج السياسي العام، تأتي اليوم في مصلحة ساركوزي. وليس هذا فقط بل إن أبرز المرشحين المنافسين لساركوزي في ماراثون الأليزيه الحالي، وهو المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند يبدو غير مقنع في نظر كثير من الفرنسيين، وتاريخه السياسي والحزبي لا يدعو أيضاً لوضع ثقة مفرطة فيه، حيث إنه طيلة توليه منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي لم يعرف كيف يدير تناقضات الحزب الداخلية، وصراع الأجنحة فيه، والتنافس الذي عرفه بين جناح الحرس القديم المسمى "الفيلة" والأجنحة الشبابية، مما انعكس على فرص مرشحة الحزب للرئاسة قرينته سيغولين رويال في الانتخابات الرئاسية الماضية، حين خسرت في مواجهة ساكوزي، وبالضربة القاضية. وفي سياق حملته المضادة للإعلام الفرنسي، ذي النزعة اليسارية عموماً، يقول الكاتب "أقولها صراحة إنني أتهم 37 ألف صحفي فرنسي بالتحامل واتخاذ مواقف مناهضة لرجل لا ينقمون منه سوى أنه جاء من خارج الحاشية"، في إشارة إلى مسار صعود ساركوزي السياسي، عن طريق اليمين الديغولي، نعم، ولكن بطريقته الخاصة أيضاً. وأهم من هذا أن كل تلك الآلاف المؤلفة من الصحفيين ما هي إلا سوى أبواق، خافتة أو صاخبة، ليسار فرنسي لا يتقن شيئاً غير خطابة الثلب وتبخيس عمل كل من يأتي من خارج مؤسساته الحزبية الديناصورية المفلسة، في رأي الكاتب. يذكر أخيراً أن بعض منتقدي كتاب "أريك برينيه" وصفوه بأنه مجرد ترجيع لأصداء ومزاعم منشورات حملة ساركوزي نفسه، وهو ما من شأنه أن ينزع عن الكتاب صفة الموضوعية وكل ما من شأنه أن يترتب عليها من مصداقية. كما غمز منتقدون آخرون كذلك، بطرف خفي، إلى علاقات خاصة بين المؤلف وقصر الأليزيه، وخاصة أنه هو الصحفي الوحيد، الذي كرم مطلع العام الحالي بوسام استحقاق وطني! حسن ولد المختار الكتاب: لماذا سيفوز ساركو(زي) المؤلف: أريك برينيه الناشر: ألبن ميشل تاريخ النشر: 2012