من بين الدروس المستفادة من الحادي عشر من سبتمبر 2011، معرفة الخطر الذي تمثله المناطق المستعصية على السيطرة. فبن لادن كان قادراً على التخطيط لتلك الهجمات من ملاذه في أفغانستان، حيث كان يحظى بالحماية هو ورجاله من حركة "طالبان" التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد. وقد سُمح لبن لادن للعمل بحصانة داخل مناطق في أفغانستان كانت تخلو بالفعل من سيطرة الحكومة المركزية. وهناك عدد مزعج في العالم من تلك المناطق التي توصف بأنها "مستعصية على السيطرة" أو بعبارة أكثر جاذبية "أراضي الأشرار". والإرهابيون ليسوا هم المشكلة الوحيدة في تلك المناطق التي تضم إلى جوارهم عادة العصابات الإجرامية، وشركات التعدين الدولية غير الشرعية، والمهربين، والقراصنة، وغير ذلك من الجماعات الخارجة عن القانون، والتي تجد مجالاً خصباً لممارسة نشاطها في مثل تلك المناطق. فجرائم تهريب المخدرات والاختطاف تزدهر في في تلك المناطق، كما يتم فيها استخراج المعادن النفيسة وتحقيق أرباح طائلة عن طريق استخدام العمال منخفضي الأجور الذين يعملون وسط ظروف فظيعة في أعمال التنقيب. ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث نجد أن الناس والحيوانات يباعون فيها في الأسواق السوداء. وفي بعض الحالات ينطبق وصف "مناطق مستعصية على السيطرة" على دول بأكملها، كالصومال على سبيل المثال لا الحصر... لكن هذا الوصف ينطبق بشكل أساسي على مناطق ومقاطعات وولايات لا تمتلك الحكومة المركزية فيها سوى قوة ضئيلة لا تمكنها من إنفاذ قوانينها الخاصة، بما يمكن الجماعات غير الحكومية من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي فيها. داخل "حدود" تلك المناطق المستعصية على السيطرة، تسود قوانين وقواعد خاصة للسلوك، لكنها ببساطة ليست القوانين والقواعد المعمول بها من قبل الحكومة المركزية. وهذا الوضع يذكرنا بقصة البطل الفولكلوري البريطاني روبين هود الشهيرة "روبين هود ورجاله المرحون" التي خلدتها "هوليوود" في فيلم يعتبر من كلاسيكيات السينما العالمية. فـ"روبن هود ورجاله المرحون" كانوا يحكمون غابات "شيروود" الواقعة في وسط إنجلترا ويحولون دون دخول جنود "قائد شرطة نوتنجهام" إليها. وعندما كان روبن هود ورجاله يعملون من داخل الغابة أو حتى في مناطق قريبة منها تمكنهم من العودة إليها بسرعة في حالة الخطر، فإنهم كانوا يظلون بمأمن من القبض عليهم. وهناك نماذج مماثلة لـ"غابات شيروود" في عالمنا المعاصر، لكنها ممتلئة برجال عصابات أقل نبلاً بكثير من رجال "روبن هود" وهي مناطق توجد في دول مثل الهند، وباكستان، والمكسيك، والبرازيل، والبيرو، والقوقاز الروسي. ويتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى توسيع نطاق المناطق المستعصية على السيطرة. فخلال الثلاثين عاماً الأخيرة عانى ما يقرب من ربع اليابسة من "تدهور حالة الأراضي"، أي نقص قدرتها على إنتاج السلع والخدمات. ويتوقع علماء البيئة أن تؤدي ظاهرة التغير المناخي لمفاقمة هذه الحالة. وأكثر المناطق تأثراً بهذا التدهور تقع في الدول الأفريقية جنوب خط الاستواء، وإندونيسيا، وميانمار، والهند الصينية كما يتوقع العلماء أن تنضم الصين لهذه القائمة خلال وقت قريب. وتدهور حالة الأراضي يمكن أن يؤدي لهجرات جماعية نتيجة لانتقال الناس إلى مناطق أخرى، بحثاً عن الغذاء والمأوى والعمل. وارتفاع مستوى مياه البحر يمثل عاملاً آخر من العوامل التي تؤدي لزيادة مساحات الأراضي المستعصية على السيطرة، وخصوصاً في الجزر المنخفضة المستوى الواقعة في المحيطين الهادي والهندي. والمد المرتفع والعواصف والأنواء البحرية تؤدي كذلك الى تدمير مصادر المياه العذبة الضرورية للزراعة، وهو ما يدفع المزارعين للهجرة إلى المناطق الحضرية بحثاً عن العمل. وهناك أيضاً المناطق النائية التي يتفشى فيها السخط السياسي والخراب الاقتصادي والتي توفر مأوى جاهزاً يمكن استغلاله من قبل المتطرفين والمجرمين. وقد ساهمت الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في زيادة المساحات المستعصية على السيطرة. وتعتبر اليمن هي الحالة الأخطر نظراً لأن الخط الساحلي للبلاد قد بات تقريباً خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية. وهناك أجزاء من ليبيا تواجه هذه المشكلة. كما أن صحراء سيناء في مصر التي تشهد منذ فترة طويلة اضطرابات أمنية باتت أكثر فوضى عن ذي قبل. وفي ظل تلك الفوضى شنت مجموعات مسلحة عديدة 14 هجوماً على خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى الأردن وإسرائيل، كما استخدم إرهابيون المنطقة كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، وهي هجمات كان شنها أمراً مستحيلاً تحت حكم الرئيس السابق "مبارك". وبعد شهور طويلة من فقدان البوصلة بسبب الأزمة المستمرة في مصر، قرر الجيش المصري أخيراً إرسال مزيد من القوات إلى المنطقة لإعادة فرض السيطرة عليها. والتحدي الكبير الذي تمثله المناطق المستعصية على السيطرة، ليس أن عدد تلك المناطق آخذ في التزايد، وإنما استعادة النظام والسيطرة عليها. فالعديد من تلك المناطق، مثل أودية أفغانستان العميقة، يصعب السيطرة عليها بحكم طبيعتها الجغرافية، ولأن سكانها المحليين من النوع الذي يرحب بالقوات الأجنبية بالرصاص وليس بالورود. وفي مثل تلك المناطق يؤسس المنشقون منظوماتهم الخاصة لفرض النظام، والتي ينبغي العمل على تفكيكها كخطوة أولى وأساسية. والعمل في المناطق البعيدة وغير الصديقة يحمل في طياته تحديات سياسية ومالية جسيمة. والجهد الأميركي في أفغانستان يقدم مثالاً بارزاً على تلك التحديات. فشأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة، سوف تجد العديد من الدول أن استخدام أسلوب القوة الباطشة، لن ينجح في تلك المناطق مما يجعلها تلجأ بدلاً من ذلك لاتباع أساليب أخرى أقل كلفة، بشرياً ومادياً، مثل استخدام الطائرات التي تطير من دون طيار. ولا يزال من المبكر للغاية معرفة ما إذا كان ذلك النموذج لشن الحرب من على بُعد، سوف ينجح أم أنه سوف يؤدي إلى تفاقم سخط السكان المحليين وتوسع المناطق المستعصية على السيطرة كنتيجة لذلك.