عندما تتحدث وسائل الإعلام عن محافظة "غزني" الريفية في أفغانستان فهي غالباً ما تلتقط الأخبار المؤلمة والمأساوية، مثل مقتل خمسة جنود بولنديين في انفجار قنبلة مزروعة على جانب الطريق، أو قيام مسلحين برجم امرأة وابنتها بعد اتهامهما بالزنا في نوفمبر الماضي... وبعبارة أخرى، ليست "غزني" المكان المثالي الذي يمكن أن يُعثر فيه على رجل يعشق الطيران ويقوم بصنع أول طائرة يتم تصميمها وبناؤها في أفغانستان. لكن مع ذلك استطاع ابن المحافظة، صابر شاه، بعد مثابرة امتدت طيلة ثلاث سنوات تصميم طائرة خفيفة بمنزل عائلته، معتمداً على ما حصله من معلومات عبر الإنترنت وما وقعت عليه يداه من قطع غيار في السوق المحلية. وفيما تبقى الطائرة إنجازاً حقيقياً بالمقارنة مع طائرة الأخوان رايت، فإنها بالطبع بعيدة كل البعد عن نموذج الطائرة الحدثية، ومع ذلك يأمل صابر في أن يؤدي عمله واجتهاده إلى لفت انتباه المسؤولين الحكوميين، أو القطاع الخاص المهتم بالاستثمار في مجال الطيران، غير أنه حتى اليوم لم يحصل على الرعاية التي ينشدها. ومع أن معظم الأفغان الذين يعرفون صابر، بمن فيهم عائلته، اعتبروه مجنوناً ونصحوه بالبحث لنفسه عن عمل، فإنه يظل مصمماً على الاستمرار في مشروعه وبناء المزيد من الطائرات. والحقيقة أن صابر هو أبعد شخص يمكنه الدفاع عن قطاع الطيران وإنشاء شركة خاصة به، فهو لم يتجاوز التعليم الثانوي، ولم يتلق تدريباً على الطيران ولا معرفة له بالهندسة الجوية، بل لم يسافر قط بالطائرة عندما شرع في تنفيذ مشروعه. كما أن تعلم الطيران بالنسبة للأفغان ليس بالأمر الهين، فأفغانستان لا تتوافر سوى على قوات جوية صغيرة ولا وجود لفرصة للتدريب لدى المهتمين بتعلم الطيران، وحتى الدروس التي تؤمنها وزارة النقل والطيران لبعض الطلبة ليست في أفضل حالاتها بسبب عدم وجود مهتمين بالقطاع، لذا تلجأ شركات الطيران العاملة في أفغانستان إلى توظيف طيارين أجانب يملكون القدر الكافي من الخبرة في شركات عالمية. وحتى بعدما قرر صابر الذهاب إلى الجامعة بعد الثانوية العامة، لم تحبذ أسرته ذلك لحاجتها إليه في أعمال الزراعة. وبالنظر إلى الظروف الصعبة وغير المناسبة التي تحيط بصابر، فقد شكك العديدون من حوله في قدرته على تصميم طائرة خفيفة والتحليق بها في الأجواء، لاسيما بعدما أعلن عن ذلك أمام الأسرة وأصر على المضي قدماً في مشروعه بالاعتماد على معلومات بسيطة جمعها من الإنترنت وبعض البرامج الوثائقية المتعلقة بالطيران. وعن هذا الإصرار يقول صابر: "لم يكن لدي مال ولا أحد كان يساعدني، وعندما أطلب العون كنت أُسأل: هل درست عن الطائرات في الجامعة؟ وهل تعرف أي شيء عنها؟ وعندما كنت أرد بالسلب لا أحد كان يأخذني على محمل الجد". لكن صابر أبى الاستسلام وامتهن عدداً من الوظائف البسيطة لجمع المال وشراء ما يلزم من معدات تعينه على صناعة الطائرة. وفيما كان مشروعه يتقدم ببطء، حظي صابر ببعض المساعدة من أقربائه، مثل حصوله على ألفي دولار من عمه المقيم بأستراليا، وتلقيه ألف دولار إضافي من نائب الرئيس، عبد الكريم خليلي الذي تعاطف مع مشروعه وتبرع بالمبلغ. وبعد ثلاث سنوات من العمل المستمر، تمكن صابر من بناء طائرة مستخدماً محرك سيارة "تويوتا"، ومعدات أخرى محلية الصنع، وفي الأخير كلف المشروع 12 ألف دولار. وعندما جاء وقت تجريب الطائرة وافقت وزارة الدفاع الأفغانية على استخدام طائرة مروحية تابعة للجيش لنقل صابر وطائرته إلى مطار بشمال كابل، وكانت المرة الأولى التي يركب فيها صابر الطائرة، وقبل اعتلاء طائرته الخاصة حرص صابر على الاستماع إلى بعض النصائح المهمة من طيار أفغاني متقاعد يعمل في المطار، مضيفاً تلك النصائح إلى معلومات بسيطة جمعها من كتب إرشادية حول الطيران. وما أن انطلقت الطائرة على المدرج حتى تبدد الشعور بالخوف الذي تملكه في البداية، وراحت الطائرة تحلق في الأجواء لفترة قصيرة جداً لم تتجاوز الدقيقة، قبل أن تحط مجدداً على أرضية المطار، وضمن أربع جولات قام بها صابر بطائرته الخفيفة استغرقت أطول مسافة ربع ميل تقريباً. وفي المرة الأخيرة انحرفت الطائرة عن المدرج واصطدمت بالأرض لتتعرض لأضرار جسيمة. ومع أن الطائرة التي صنعها صابر لا يمكن مقارنتها بما وصل إليه الإنسان في مجال الطيران، فالمهم في هذه التجربة ليست الطائرة في حد ذاتها، بل الرغبة في مواجهة الظروف الأفغانية الصعبة ومجابهة التحديات لتحقيق مشروع جريء. كما أن الأمر لا يتعلق بمدى تطور الطائرة من عدمه، بقدر ما يتعلق بروح الابتكار والإبداع التي يتمتع بهما أفغاني يعيش في منطقة نائية تنعدم فيها شروط الدراسة والتميز. وعن هذا الإنجاز الذي حققه صابر يقول "داوود سلطانزوي"، العضو السابق في البرلمان الأفغاني من محافظة غازني "مع الأسف لا يعني الابتكار والقدرة على الإبداع الشيء الكثير في أفغانستان، نحن دائماً ننظر إلى الماضي بنوع من الحنين لكننا نغفل عن تطوير المستقبل". ورغم التحديات يقول صابر إنه سيواصل العمل، وأنه سيسعى إلى الحصول على منحة دراسية في الخارج لتعميق معرفته بالطيران. أما حالياً فهو يتمنى لو يجتذب نجاحه مستثمرين لصنع طائرة أكبر من عشر مقاعد تساهم في تطوير مجال النقل الجوي في أفغانستان. توم بيتر-أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"