رغم التغيرات التي شهدها النظام الدولي خلال العقود الخمسة الأخيرة، فإن تركيبة مجلس الأمن ظلت دون تغيير منذ عام 1965، مما دفع كثيرين للتساؤل عما إذا كان المجلس سيحافظ على شرعيته ويكون متناسباً مع حقائق التركيبة الدولية للقرن الحاد والعشرين! وفي ظل الجدل الذي تثيره المطالبة بتوسيع مجلس الأمن، كثيراً ما آثرت الولايات المتحدة الصمت مفضلة إبداء دعم عام لتوسيع المجلس من دون التزام محدد. وفي الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه "توسيع مجلس الأمن ومصالح الولايات المتحدة الأميركية"، ينتقد مؤلفاه كاراسي ماكدونالد وستيوارت باتريك، التحفظ الأميركي، ويريان أنه ينبغي لواشنطن الأخذ بزمام المبادرة بدلاً من الاكتفاء بمراقبة النقاشات في هذا الشأن. ويقول المؤلفان إن المؤسسات الدولية الموروثة من الماضي تواجه صعوبات في التكيف مع التحديات والقوى الجديدة، ولا يستغربان في هذا الصدد أن تشير الاستراتيجية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة إلى "ترنح النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين"، وأن يطالب أوباما إدارته بالعمل على تحديث المؤسسات القديمة ودمج القوى الناشئة بوصفها ركائز لنظام دولي يحتكم إلى القانون... لذلك ينبغي أن يكون تحديث مجلس الأمن عنصراً أساسياً في هذه الأجندة، لاسيما بعد إعلان أوباما المفاجئ، في نوفمبر 2010، دعمه حصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن. وإلى ذلك الوقت ظلت واشنطن متحفظة بشأن تحديث مجلس الأمن، رغم اعتقاد كثير من مسؤوليها بأن المجلس لم يعد يعكس حقائق القوى العالمية وواقعها، وبأن بقاءه من دون تغيير يجعله هيئة ضعيفة في معالجة التحديات الأمنية الحالية التي تتطلب تحركات متعددة الأطراف. ويتناول الكتاب الأسباب الداعية إلى توسيع مجلس الأمن، بالإشارة إلى أن توزيع القوة العالمية قد تغير بشكل جذري منذ عام 1945، وأن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ارتفع من 51 دولة إلى 192 دون حدوث توسع مماثل في مجلس الأمن. فالعضوية الدائمة في المجلس تستبعد الدول الممولة الرئيسية للأمم المتحدة، مثل اليابان وألمانيا، والقوى الصاعدة مثل الهند والبرازيل، كما تستبعد جميع دول أفريقيا وأميركا اللاتينية. ومن هنا يحذر المؤيدون لتوسيع المجلس من أن سلطته العالمية سوف تتآكل إذا ما أخفق في تمثيل كافة المناطق. كما يرون أن التوسيع الجيد للمجلس يمكن أن يوفر في المدى القريب فرصة لإدارة تغير القوى، و"تنشئة" الدول الإقليمية الرائدة حالياً لتصبح قوى عالمية "مسؤولة". ويعتقد المؤلفان أنه رغم العيوب التي تشوب بعض الحجج المتداولة تأييداً لتوسيع المجلس، فإن أسباب توسيعه لا تزال مقنعة، ومنها الادعاءات الشائعة في دول العالم النامي بأن المجلس يفقد تدريجياً شرعيته، كما تتراجع ملاءمته للتهديدات الأمنية، ويتفاقم عجزه عن ضمان الامتثال لقراراته الملزمة... بمعنى أنه في حالة ضعف وعجز متناميين. ويرد المؤلفان على العديد من تلك الحجج، قائلين إن مجلس الأمن ليس حالة ميؤوساً منها، بل إن السلوك الفعلي للدول الأعضاء يؤكد شرعية المجلس ومصداقيته وفعاليته... ومع ذلك فهما يؤكدان على أن الإخفاق في توسيع مجلس الأمن يبقى قضية إشكالية. ويستعرض الكتاب ما يعج به المشهد الدبلوماسي الحالي من جدل حول تحديث مجلس الأمن، والعقبات التي تواجه جهود إصلاح الأمم المتحدة. فتعديل الميثاق الأممي لا يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة فحسب، وإنما أيضاً تصديق البرلمانات الوطنية للدول الأعضاء، ومنها الكونجرس الأميركي المنقسم حزبياً. ثم يتناول جهود الإصلاح السابقة، والتي وصلت ذروتها مع محاولات كوفي عنان قبل أن تصطدم بالتباين بين نماذج توسيع مجلس الأمن كما تبنتها المجموعات الجغرافية المختلفة. ويعود الكتاب ليناقش "مصالح الولايات المتحدة في توسيع مجلس الأمن"، متوقفاً عند محددات رئيسية، مثل الفوائد التي تعود على واشنطن من وجود مجلس أمن فعال، ووجهات النظر الأميركية بشأن فاعلية مجلس الأمن، وتأثير إصلاح المجلس في فاعليته، وتقويم السلوك المحتمل للدول الطامحة إلى العضوية... ليخلص إلى أن مجلس الأمن لا يزال ركناً رئيسياً للنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، وأن الوقت حان لإصلاحه بينما لا تزال الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم، والدولة الوحيدة المؤهلة لحشد إجماع دولي حول معايير العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وإطلاق مشاورات حول المعايير والمحددات الملائمة لعضوية مجلس الأمن الدولي في القرن الحالي. محمد ولد المنى الكتاب: توسيع مجلس الأمن ومصالح الولايات المتحدة الأميركية المؤلفان: كاراسي ماكدونالد وستيوارت باتريك الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012