تعود فكرة القوة الناعمة إلى أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة هارفرد عام 1990، حين قال إن القوة الناعمة هي قدرة دولة ما على إقناع وممارسة النفوذ على الدول الأخرى عن طريق جاذبية مجتمعها وقيمها وثقافتها ومؤسساتها، وليس عن طريق العنف والتهديد. ويرتبط بذلك قدرة تلك العناصر على إيصال اسم الدولة وسمعتها ومكانتها إلى الأمم والشعوب الأخرى كمثال يحتذى به ويُسمَع صوتُه في شؤون المجتمع الدولي. إن تلك الجاذبية يمكن أن تنقل عبر وسائل عدة بما في ذلك الثقافة العامة والدبلوماسية الرسمية والشعبية، وكيفية مشاركة قادة الدولة المعنية في المنظمات الدولية والمنابر الأخرى وممارسات رجال الأعمال القويمة والقوية في الخارج وقوة الجذب والسمعة الطيبة التي يتمتع بها اقتصادها. والدول ذات القوة الناعمة العظيمة، تجد مواطني الأقطار الأخرى شغوفين بممارساتها ويتطلعون إلى المشاركة في تقمص قيم وممارسات ومؤسسات الدولة ذات القوة الناعمة، وأن قادة الأقطار الأخرى ينظرون إلى سياسات قادة تلك الدولة كممارسات شرعية يريدون اتباعها وتقليدها. يقول جوزيف ناي: "إذا كنتُ قادراً على جعلك تفعل ما أرغب فيه أنا، فعندها لا حاجة بي إلى أن أجبرك على شيء". وغني عن القول إنه في المرحلة الحالية من تاريخ الإمارات المجيد وتطورها تعيش الدولة عصراً ذهبياً وتبدو في أوج قوتها الناعمة، بمكاسبها الاقتصادية وتفوقها على صعد استخدامات ثورة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، ونعمة الأمن والأمان التي يتمتع بها مجتمعها، مما جعلها قبلة اقتصادية ومالية لكافة شعوب وأمم الأرض، يقصدونها للعمل والاستثمار والاستفادة من التجربة الفريدة التي تخوضها. إن ما تتمتع به الإمارات من سمعة طيبة وإمكانيات اقتصادية واعدة وثقافة اجتماعية متقبلة للآخر ومرحبة به إذا كان يريد العيش في ظل القانون وثقافة المجتمع، جعلها جاذبة لكافة بني البشر من مشارق الأرض ومغاربها. وبناء على ما بين أيدينا من دراسات وتجارب، نتوقع أن تتبنى دول كثيرة حول العالم، بما في ذلك دول العالم المتقدم، العديد من الوسائل والمناهج والطرق والممارسات والتطبيقات العملية التي تقوم بها الإمارات على الصعد الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وفي مجال الرفاه وتقديم الخدمات للمواطنين والإنجازات الأمنية الداخلية في دولة يعيش على أرضها بشر وفدوا من جميع دول العالم تقريباً. إن مظاهر القوة الناعمة التي تتمتع بها الإمارات الآن، مدعاة للفخر والاعتزاز لنا كمواطنين، لكن ذلك لا يدعونا للتوقف، بل للعمل من أجل المحافظة على تلك القوة الناعمة والاستزادة من عناصرها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاجتماعية، والاستفادة من كل ذلك في مجال الاستثمار التجاري والاقتصادي الخارجي بأقصى الدرجات الممكنة. فنحن دولة لديها إمكانيات القوة الاقتصادية التي تحتاج إلى استثمار وتدوير على نطاق واسع، ولا يستطيع اقتصادنا المحلي استيعابها، فهي بالقدر الذي يجعل المسؤولين عنها في بحث دائم عن مجالات آمنة لاستثمارها خارج حدود الوطن، فإن ذلك يحتاج إلى استخدام القوة الناعمة المتواجدة بأقصى قدر ممكن. ويقابل ذلك أيضاً أن جوانب عدة من اقتصادنا الداخلي يحتاج إلى جلب الاستثمارات الخارجية المصحوبة بالخبرة الفنية التي ينبغي تطويرها على الدوام.