بعد عام ظهر جليّاً أن تطورات الأزمة السورية سترسم ملامح النظام الإقليمي الآخذ في التشكل بعد الثورات العربية، وستحدد أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين، فلم تكن هذه الأزمة ملفاً داخليّاً أو عربيّاً، وقد ظهرت التجاذبات الإقليمية والدولية للملف السوري منذ بداية التظاهرات السلمية، وصولًا بسوريا إلى حافة الحرب الأهلية. وعلى رغم الأزمة الإنسانية المتصاعدة فقد ظهر جليّاً أن رسالة المجتمع الدولي القائلة برفضه استمرار خوض النظام الحرب ضد شعبه لم تكن حازمة بما فيه الكفاية لتضارب المصالح الإقليمية والدولية. فهل يمكن استشراف حل دبلوماسي للأزمة السورية؟ وهل سوريا مقبلة على "حل سياسي " للأزمة المتصاعدة؟ اليوم على رغم التحركات الدبلوماسية الدولية لاحتواء الأزمة السورية، ورغم موافقة مجلس الأمن في بيان صدر على إعطاء سوريا مهلة حتى العاشر من إبريل الجاري، لوقف القتال والانسحاب من المدن، إلا أن الصورة لا زالت غائمة. والحقيقة أن التزام كافة الأطراف بخطة كوفي عنان سيحدد مسار الأزمة، إذ إن الفشل سيدفع بسوريا نحو الانزلاق إلى حرب أهلية، أو أن تكون هذه الفرصة الوحيدة للخروج بتسوية سلمية ومقبولة لكافة الأطراف وبمباركة دولية. فالأسد من ناحية، وعلى رغم قبولة بخطة السلام التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية عنان، التي يأمل كثيرون في أن تضع حداً سلميّاً للأزمة، فإنه لن يرضخ للضغوطات المتصاعدة، فما زالت التقارير الصحفية تتحدث عن شن القوات السورية لحملات عسكرية جديدة متعددة منسقة على معاقل قوات المعارضة متحدية خطة الأمم المتحدة للسلام التي تعهدت بها دمشق ملتزمة بالتطبيق السريع والفاعل. أما المعارضة السورية من ناحيتها فترفض الحوار مع نظام الأسد وتطالب بتسليح المعارضة في الداخل، وهي تستجيب لمطالب الشارع السوري، على رغم أنها عجزت حتى الآن عن توحيد صفوفها أو تقديم قيادة موحدة للمعارضة تمثلها وتتحدث باسمها وتفاوض تحت رايتها. فالمعارضة السورية ترفض بقاء نظام الأسد ولكن المبعوث الدولي- العربي لم يتحدث عن تغيير النظام، والمعارضة ترفض القبول بحوار لا يؤول إلى انتقال السلطة. وفي الوقت نفسه جاء بيان مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي عقد في مدينة إسطنبول بحضور 83 دولة، بزيادة دعم التمرد السوري المسلح وبدعوة مفتوحة للجنود السوريين للتمرد على أوامر قادتهم، حيث تعهدت دول خليجية بدفع رواتب مسلحي المعارضة السورية ومن ينضم لصفوفها من القوات النظامية السورية. ولكن حتى الهدنة أو المهادنة في العاشر من إبريل قد يواصل النظام السوري عملياته العسكرية على الأرض، وقد يحقق نجاحات عسكرية، ولكنه سيظل عاجزاً عن السيطرة على المدن المشتعلة ولن يستطيع أن ينتصر، حتى إن استطاع أن يقضي على حركة الاحتجاج باستخدامه أشد أشكال البطش الدموي. وحتى الآن يبدو النظام السوري منيعاً ضد سلسلة العقوبات الاقتصادية، والرقابة والعزلة الدبلوماسية الدولية المفروضة عليه، وقد نجح النظام السياسي بعد عام على الاحتجاجات في أن يؤخر سقوطه. إن إيجاد حلول واقعية لإنهاء الأزمة بشكل مقبول أمام الشعب السوري أولًا، والمجتمع الدولي ثانيّاً، يتطلب إقناع واقتناع رموز النظام بأنهم جزء من الأزمة، وأن مصلحة سوريا تقتضي من هذه الزمرة التنحي، كما تقتضي من المعارضة إعطاء فرصة للحوار مع الحكومة السورية للبدء في مرحلة انتقالية بمباركة دولية. ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسوريا اليوم لم تعد ولن تعود كما كانت قبل الحراك سواء طال أمد النظام أم قصر.