في مُستَهَل حديثها عن مرض الخَرَف عند كِبار السن وتدهور المهارات الذهنية، قدّرت جريدة كلوبال آند مَيل الكندية التكاليف التي تقع على كاهل الاقتصاد الكندي بسبب هذا المَرَض الفظيع بـ 15 مليار دولار سنوياً. وقد أرسلت إحدى القُرّاء هذا الجواب على المقال: نحن نُسهم في الاقتصاد بسبب هذا المرض. نحن نشتري بطاقات الطائرة أو الوقود لزيارة أولياء أمورنا ونعمل على تشغيل الناس من أجل تنظيف منازلهم وباحاتها. نحن ندفع تكاليف المُمرضات والأشخاص الذين يوفرون الرعاية لهم وندفع تكاليف إقامتهم في منازل العجزة أو المُتقاعدين. كذلك فنحن ندفع تكاليف المحامين من أجل إنشاء وكالات ووصايا قانونية، بالإضافة إلى دفع تكاليف مُحاسبي الضرائب لدفع ضرائبهم. لقد أسسنا صناعة كاملة حول هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من مرض الخَرَفْ. تكشف رسالة آنسة تُدعى "لانكدون" شيئين: أنها ابنة مُخلصة تعمل ما بوسعها للعناية بوالديها المُسنَّين، وأيضاً أخصائية اقتصاد كسولة. لكن هل فعلاً أن تقديم الرعاية للأشخاص الذين يعانون هذا المرض يتطلب إنفاق المال والذي يعمل بدورهِ على خلق الوظائف؟ يقع محور خطأ الآنسة "لانكدون" في افتراضها بأن العواقب الاقتصادية الوحيدة للخَرَف هي تلك التي تكون ظاهرة آنياً: تكاليف المُمرضة التي تأتي إلى المنزل والشخص الذي يأتي ليُطعم المرضى والمحامي الذي يتم تعيينه لإنشاء وكالة قانونية وهكذا دواليك. والذي فاتها هي التأثيرات التي لا تُرى والتي يتم شرحها من قبل مُنظّر اقتصادي فرنسي وافاه الأجل قبل سنين طويلة. كتب "فريدريك باستيا" في عام 1850 عملهُ الأخير تحت عنوان: ومعناه "ما هو مرئي وما هو غير مرئي". ويبدأ المقال بمثلٍ مُنمّق بسيط حول النافذة المكسورة. يكسر ولدٌ نافذة رجلٍ ما بالصدفة. ويواسي الجيران الرجل لاعتقادهم أن عمل الطفل غير المُرضي سيوفر عملاً لصانع الزجاج على الأقل. وفي النهاية، "ما الذي سيعملهُ صانع الزجاج إن لم تنكسر النوافذ أبدا؟" يُشير "باستيا" إلى خطأ الجموع في عملية اعتبار التأثير المرئي للنافذة المكسورة أن عمل صانع الزجاج يمثّل التأثير غير المرئي، بفكرة أن المال الذي يتم إنفاقه على استبدال النافذة لا يُنفق في مكانٍ آخر. وعوضاً عن النافذة أو لنقل زوج جديد من الأحذية، فإن المطاف سينتهي بالرجل مع إصلاح النافذة فقط. لذلك فإن إهمال الطفل سبب يفُقر الرجل وقريتهِ. ويطبّق المقال نفس المنطق على مواقف أخرى يُركزُ فيها الناس فقط على التأثير الفوري للسلوك الاقتصادي مثل المصروفات العسكرية أو الفن المدعوم أو برامج الأشغال العامة. إن ما يُرى هو وظائف الجنود والفنانين والعُمال والتأثير على مصروفاتهم. وما لا يُرى هو الفعّالية الاقتصادية التي يؤديها دافعو الضرائب الذين يعملون على تمويل هذه العمليات. لكن من الممكن استخدام هذه الموارد المالية لاستهلاك بضائع وخدمات أخرى وبذلك يتم استخدام نفس المقدار من المال كدولة دونما إهدار للموارد وذلك من أجل تحصيل ووضع ميزانية وإنفاق المال. منطق لانكدون المُتَصَدّع؟ فهي تُشير في رسالتها فقط إلى ما يُرى: توظيف المُمرّضة ومن يقدّم الخدمات والمُحامي والى آخره والناتج عن مرض ذهني لأحدهم. والشيء الذي لا يُرى هو كيف كان سيتم استخدام المال لو كان الشخص يتمتع بصحة جيدة – لربما كان سيتم إنفاق المال على سيارة أو عطلة. فعوضاً عن تعيين مُمرّضة ما، كان يمكن إنفاق هذه الأموال على توظيف عامل في مجال صناعة السيارات أو طيار وعوضاً عن مريض يتم العناية به فإنه يمكن لابن هذا الشخص أن يكون له ولي أمر يتمتع بصحة جيدة والسيارة الجديدة. وكما يوضّح "باستيا"، فإنك حتى لو افترضت عَرَضياً بأن هذا الشخص قام بادخار المال وعدم صرفهِ فإن ذلك وببساطة سيجعل الأموال متوافّرة لإعارتها لشخص آخر كي يصرفها. وبعد قرنٍ ونصف القرن، فإنه يتوجب على "باستيا" وجيشهِ أن يقطعوا شوطاً طويلاً لمواجهة اللّامنطق، لأن مُغالطة النافذة وفشل عملية اعتبار ما لا يُرى موجودان في كل مكان. ولنفكّر في الأيام المُظلِمة من عام 2008 حين تراجعت مؤشرات الأسهم وانهيار المصارف وانهيار الاقتصاد الوطني. هذا وجاءت من العُتمة صرخة رابعة ألا وهي حزمة التحفيز! ففي عام 2009 وَقّع الرئيس أوباما حُزمة تحفيز بمقدار 787 مليار دولار للعودة بالاقتصاد إلى الحياة. وقد حذّر مُستشارو البيت الأبيض الاقتصاديون بأنه ومن دون هذا الإجراء فقد تصل نسبة البطالة في عام 2010 إلى 8.8 في المئة. وبعد سنتين تقريباً وصلت نسبة البطالة إلى 9.4 في المئة وهي أقل من النسبة التي سجّلها شهر نوفمبر 2010 والتي وصلت إلى 9.8 في المئة. وعلى الرغم من التخطيط الخاطئ، ربما لكانت الأمور أسوأ دون تمرير حزمة التحفيز. وفي الوقت الذي يمكننا فيه أن نرى تأثير حزمة التحفيز – توظيف رجال الشرطة والحفاظ على المُدرّسين والى آخره – إلا أننا لا نستطيع أن نرى الاستثمار الخاص الذي كان من الممكن تحقيقه بالموارد التي استخدمتها الدولة. وبعبارة أخرى وكما تنبأ الكثيرون فإنه لربما حزمة التحفيز لم تُحَفّز أي شيء. ربما قامت الحُزمة بتحويل الصرف إلى مكان آخر في العملية مُهدرةً بذلك موارد على البيروقراطيين لتحويل المال هنا وهناك. إن هذه النظرية مدعومة من قبل تحليل أعده أستاذ من جامعة هارفارد يُظهر فيه بأن دولار واحد من الإنفاق الحكومي يُنتج ما هو أقل من قيمة الدولار في الفائدة الاقتصادية، إلا في حالات الظروف الاستثنائية الحقيقية. ويستخدم السياسيون عبارة "الاستثمارات الإستراتيجية" كوسيلة لخلق الوظائف سواء كان ثمة تراجع اقتصادي أو لم يكن. ويقترح المنطق الخاص بـ"باستيا" بأن هذه المُقاربة مكتوب عليها الفشل. بالفعل، فلو حاولنا أن نرى ما لا يُرى، فإن الأمور تبدو بشعة. اكتشف أخصائيان اقتصاديان من جامعة "ليفال" الكندية في دراسة أجرياها في عام 2007 بأن دعم الحكومة لمُصهّر الألمنيوم قد تمت ترجمته إلى تكاليف سنوية بمقدار 275 ألف دولار تقريباً لكل وظيفة تم إيجادها. هذا وقد اكتشف سرد ما في عام 2008 بأن "هنالك إجماع مابين أخصائيي الاقتصاد بأن امتيازات الملاعب والساحات والرياضات لا تمتلك تأثيراً ثابتاً وإيجابياً على مدخولات الوظائف والدخل والضرائب". ويعني ذلك بأن الدعم المُفرط لهكذا أمور لا يمتلك مُبرراً اقتصادياً. قدّرت دراسة ما -في عام 2009 حول برنامج الطاقة المُتجدّدة الكبيرة في إسبانيا- بأنه تم إلغاء 2.2 وظيفة اعتيادية لكل وظيفة تم إيجادها للبرنامج. آدام ألوبا محامي وكاتب كندي ينشر بالتعاون مع "مشروع منبر الحرية"