فيما يستعد بوتين لتدشين عودته الرسمية إلى منصب الرئاسة خلال شهر مايو المقبل، يتعين على الولايات المتحدة بلورة علاقات جديدة مع هذا القائد صعب المراس، ومع بلده المهم لأميركا، فقد سعت إدارة أوباما خلال الفترة الرئاسية الأولى إلى انتهاج سياسة إعادة ضبط العلاقة مع روسيا لتجاوز التوتر بين البلدين ولتحقيق بعض الأهداف الأميركية المرتبطة بالسياسة الخارجية، وبالفعل نجحت تلك السياسة في التوقيع على معاهدة جديدة لخفض السلاح النووي، ودفع روسيا للتعاون في أفغانستان ونقل العتاد العسكري الأميركي إلى ساحة المعركة، بالإضافة إلى المساعدة في الضغط على إيران. لكن الاستمرار في الطريق ذاتها خلال الفترة الرئاسية المقبلة لن يصل بنا إلى انفراج حقيقي. فمن المستبعد تحقيق تقدم جديد في مجال الحد من الأسلحة النووية ضمن أي اتفاقية غير تلك التي وقعت في السابق، لأن ذلك سيستدعي من الطرفين خفضاً حقيقياً وكبيراً للترسانة النووية، كما أن التعاون في أفغانستان التي تستعد أميركا للانسحاب منها لم يعد مفيداً، ولا يمكن الاعتماد على مزيد من الضغوط الروسية على إيران. لذا فعندما يصل بوتين إلى "كامب ديفيد" للمشاركة في قمة دولة مجموعة الثماني الكبرى خلال مايو المقبل يتعين على أوباما أن يكون مستعداً لإعادة رسم العلاقة الثنائية مع روسيا. ومع أن التعاون في مجال السياسة الخارجية ما زال مهماً، فإن ملامح العلاقة الجديدة يجب أن تمتد لتشمل أهدافاً كبرى هي: إدماج روسيا أكثر في المنظومة الاقتصادية الدولية من خلال إقناعها بتحسين علاقاتها مع الغرب، وتوفير حوافز لتشجيع سلوك أفضل على الساحتين المحلية والدولية. هذه المقاربة الجديدة لابد أن تعتمد على ثلاثة مكونات رئيسية: مكون اقتصادي يستخدم الانضمام المرتقب لروسيا إلى منظمة التجارة الدولية لتعزيز احترام القانون وبناء صلات تجارية أقوى، ومكون ديبلوماسي يشمل تمتين علاقات التعاون والتنسيق بين أميركا والحلفاء الأوروبيين للوقوف ضمن جبهة واحدة تجاه روسيا، بالإضافة إلى مكون ثالث يتمثل في تعزيز حقوق الإنسان وحرية الصحافة داخل روسيا. وفيما يتعلق بالمكون الاقتصادي تتعين الإشارة إلى قرب انضمام روسيا لمنظمة التجارة الدولية بعد موافقتها على الشروط الضرورية، وكل ما يتعين فعله لإتمام هذه الخطوة مصادقة مجلس الدوما على المعاهدة. وفي هذا السياق يتعين على الولايات المتحدة الدفع بروسيا أولاً للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ثم بعد ذلك مراقبتها للتحقق من احترامها لقواعد التجارة الحرة. وعلى غرار الجهود التي بذلتها أميركا والاتحاد الأوروبي لدفع الصين لاحترام التزاماتها بموجب اتفاقية الانضمام فإنه يتعين أيضاً إقناع روسيا بالتقيد الكامل بالقواعد والقوانين. وللتحلي بالمزيد من المصداقية على الولايات المتحدة إلغاء قانون قديم يعود إلى الحرب الباردة يفرض قيوداً على الواردات الروسية يعرف باسم "جاكسون فانيك"، فبإبقاء القانون المذكور سارياً والاستمرار في تقييد الواردات الروسية، ستجد الشركات الأميركية نفسها متجاوزة داخل السوق الروسية بينما موسكو للانفتاح على الأسواق العالمية وفتح أبوابها أمام الشركات الأجنبية. والأمر هنا لا يتعلق بأية هبة تقدم إلى روسيا، بل بإقناع رجال الأعمال الروس وشركاتهم بأن مصلحتهم تكمن في الغرب والفرص التي يوفرها لهم للاستثمار. وفي المكون الثاني من المقاربة الجديدة في العلاقة مع روسيا، فإنه لابد من تعميق التعاون بين ضفتي الأطلسي، إذ من المعروف الدور المهم الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في التأثير على روسيا، لاسيما وأنه الشريك التجاري الأول لموسكو بحجم معاملات يصل 47 في المئة من مجمل التجارة الخارجية الروسية، فيما لا يتعدى هذا الرقم مع أميركا نسبة 4 في المئة. والمشكلة أن أوروبا ليست دائماً على وفاق فيما يتعلق بالتعامل مع روسيا بسبب استمرار بعض دولها في الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية، وهو ما يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاوزه لتوحيد المواقف حتى لا تلعب روسيا بورقة الاختلافات الغربية. أما المكون الثالث والأخير في العلاقات الجديدة مع روسيا فيعتمد على مواجهة أي انتهاكات لحقوق الإنسان في روسيا والوقوف ضدها سواء من قبل أميركا أو أوروبا، وعدم السماح بالتجاوزات في علاقة روسيا مع بعض جيرانها. فعندما تتجاوز تلك الانتهاكات الحد المسموح به يمكن للقوى الأوروبية وأميركا تخطي عبارات التنديد إلى فرض العقوبات، على أن تطال فقط الأفراد المسؤولين عن تلك التجاوزات. ورغم ما قد يحدثه ذلك من احتجاجات روسية، فمن غير المرجح أن توقف موسكو مسيرة التعاون مع الغرب وتعطل عجلة الانفتاح الاقتصادي، لأنه من مصلحتها تحديث اقتصادها، وهو ما لن يحصل بدون توسيع صادراتها وفتح الأسواق الغربية أمام بضائعها. فرانسيس بورويل نائب رئيس ومدير العلاقات الأطلسية في المجلس الأطلسي سفانت كورنيل مدير معهد الأمن وسياسة التنمية بستوكهولم ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"