البرنامج الذي بدأ "مجلس أبوظبي للتعليم" تنفيذه، مؤخراً، بالتعاون مع "شركة استثمار التكنولوجيا المتطورة" (آتيك) لتشجيع الطلبة على الالتحاق بالقسم العلمي يعكس توجّهاً عمليّاً للتعاطي مع ظاهرة عزوف الطلاب عن دراسة المواد العلمية في السنوات الأخيرة وتفضيلهم القسم الأدبي، فهذا البرنامج الذي يركز على الطلبة المواطنين بالصفين الثامن والتاسع، يستهدف الارتقاء بالمستوى المعرفي للطلبة حول مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتعريفهم بمجالات العمل الواعدة في هذا القطاع، وذلك عن طريق تنظيم ورش عمل تفاعلية وحلقات تعليمية مبتكرة على مدار أسبوعين، يبتكرون خلالها وينفذون مشروعات علمية كالروبوتات والصواريخ، ومشروعات بناء خطوط السكك الحديدية، إضافة إلى تحليل مسارح الجرائم، ورفع البصمات. الاهتمام بتشجيع الطلاب على الالتحاق بالقسم العلمي، توجّه يستند إلى مجموعة من الاعتبارات المهمة، أولها إعادة التوازن في توجّهات الطلبة بين القسمين العلمي والأدبي، خاصة في ظل الفجوة الكبيرة بين أعداد الطلاب في القسمين، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 71 في المئة من طلبة الثانوية العامة في الإمارات يتجهون إلى القسم الأدبي، مقابل 29 في المئة يتجهون إلى القسم العلمي، وأن نسبة الملتحقين بالقسم الأدبي زادت بما يقارب 25 في المئة خلال السنوات الـ (10) الأخيرة، لذا فإن العمل على تحفيز الطلاب وتشجيعهم على دراسة المواد العلمية والتكنولوجيا يمكن أن يسهم في سد هذه الفجوة مستقبلاً. ثانيها، مواكبة سوق العمل في الدولة، التي باتت تركز على التخصصات والوظائف العلمية، مثل الهندسة بمختلف أقسامها، والعلوم وتكنولوجيا المعلومات، وهي التخصصات التي تستدعي تمكين الطلبة في المواد العلمية والرياضيات التي بدورها تهيئ الطلبة للالتحاق بالجامعات والكليات العلمية المعنية بهذه التخصصات الحيوية، وهذا من شأنه أن يخدم سياسة التوطين في الدولة أيضاً. ثالثها، مواكبة الأهداف التنموية لحكومة أبوظبي والإمارات بوجه عام التي باتت ترتكز بصورة رئيسية على المعرفة والعلوم، فرؤية أبوظبي 2030 تعتمد في الأساس على الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة، وتحتاج إلى التخصصات العلمية التي تخدم هذه الرؤية، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى التقديرات التي تتحدث عن كون التنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي تحتاج إلى 40 ألفاً من المهندسين والتقنيين، من أصحاب المهارة العالية في مختلف التخصصات في عام 2020 في حين أن نظام التعليم الحالي لا يوفر سوى ثلاثة آلاف مهندس فقط، ولعل هذا ما يبرر الاهتمام الذي يوليه "مجلس أبوظبي للتعليم" بتشجيع الطلاب على دراسة المواد العلمية، وتوفير البرامج والدورات التي تحفز الطلاب على الالتحاق بالقسم العلمي. إن تجارب الدول المتقدمة تشير إلى أن السر وراء نهضتها الصناعية والتكنولوجية يرجع بالأساس إلى أنها تولي أهمية بالغة لتدريس المواد العلمية والتطبيقية وتطويرها بشكل متواصل كي تخدم أهدافها الاقتصادية، لما لتلك العلوم من دور فاعل وحيوي في دفع عملية التنمية والتطور في مختلف مجالات الإنتاج، وهذا ما يدركه القائمون على العملية التعليمية في الدولة، فثمة قناعة بأهمية المواد العلمية باعتبارها المدخل نحو بناء الاقتصاد المعرفي، ولكن الأمر يتطلب مشاركة باقي الجهات المعنية في إنجاح التوجه الخاص بتشجيع الطلاب على دراسة المواد العلمية أيضاً، والالتحاق بالقسم العلمي، فالأسرة مثلاً مطالبة بتوجيه أبنائها نحو اختيار المسار المهني الصحيح الذي يضمن مستقبلهم، أما مؤسسات القطاعين العام والخاص فيمكن من خلال ما تقدمه من منح مالية للطلاب لدراسة بعض التخصصات أن تشجعهم وتحفزهم على الالتحاق بالقسم العلمي. ــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.