كلّما توسعت دائرة الأحداث والتطورات في العالم العربي، كلّما ابتعدنا عن الشأن الفلسطيني وهمومه وشجونه وشؤونه. وحدها إسرائيل تربط بين الأمرين. الأولوية عندها هي للموضوع الفلسطيني، بمعنى استغلال كل ما يجري في الداخل الفلسطيني، وفي الداخل العربي على امتداد مساحة الأمة، لتحقيق أهدافها. وبالتالي، فإن التلازم بين ما يجري في الدول العربية، والشأن الفلسطيني، أي الاهتمام الإسرائيلي، تلازم ثابت. أما العرب فيذهبون إلى مزيد من الانقسام بين بعضهم وداخل دولهم، ويقدمون أولوية الأحداث الداخلية عندهم على أي أمر آخر، ويبتعدون عن الشأن الفلسطيني متوهمين أن ذلك يمكن أن يشكل حماية وضمانة لأنظمتهم أو لمجتمعاتهم أو مصالحهم الفردية والجماعية وفي ذلك خطأ كبير، خصوصاً عندما يتجهون نحو الغرب بحثاً عن تفاهمات واتفاقات وضمانات. وكأنهم بعد كل هذا العمر، وتلك التجربة الطويلة لا يدركون أن التلازم قائم ودائم وثابت وعميق بين مصالح الغرب ومصالح إسرائيل. العالم العربي منشغل بأحداثه، مبتعد عن الشأن الفلسطيني والإنشغال فيه. كأنه لا يترك تأثيراً عليه. إسرائيل تركز اهتمامها على أولوياتها، وأولوية الأولويات، ألا وهي فلسطين، وتواصل المزيد من الاحتلال لأرضها، والمزيد من التوسع عليها، والمزيد من بناء المستعمرات. وبالتالي المزيد من التهجير للفلسطينيين، وابتزاز العرب في كل شيء. يأتيك من الداخل فلسطينيون كثيرون يؤكدون أن "المجتمع الإسرائيلي لا يريد التفاعل معنا في المناطق المختلفة، تحاول الانفتاح عليهم، تدعوهم، وتنظم لقاءات، وتتجاوب تدرك في النهاية أنهم لا يعرفون عنّا الكثير، ولا يريدون أن يعرفوا، ولا يريدون الاختلاط، ومشروع الدولة اليهودية يتقدّم"! ويضيفون:"الأخطر هو الواقع الفلسطيني الأليم، الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني عميق، حيث يكاد يكون الخلاف قائماً حول كل شيء. تراجعت أولويات الناس، سواء لدى فصائل فلسطينية أو مواطنين. حتى التنافس بين الفصائل مساحته واسعة، إمكانات تمويله ضيقة. ومع ذلك هو مستمر. الناس يريدون العيش. بشكل خاص يعيشون على رواتب السلطة في القطاع. وما يأتيهم في غزة من حكومة حماس! المسيحيون يتراجع حضورهم كثيراً. باعوا أرضهم أو صودرت مثل أراضي غيرهم. الباقون قلة تعاني، وإسرائيل تريد الصراع إسلامياً – يهودياً، لتبقى تحرّض وتدّعي أنها تواجه الإرهاب والأصولية والتطرف. وعلى الأرض تتوسع، وتبني مستعمرات جديدة، تغير هوية الأرض، وتمسك بقرارها، وكأنها تنعى مشروع الدولتين من خلال ما يستهدف الضفة والقدس خصوصاً من توسع ومصادرة أراضٍ"! منذ مدة، قامت موجة احتجاج على التوسع في القدس. وتوقف التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن الطرف الأول تمسك بمبدأ وقف الاستيطان لينطلق التفاوض كما اتفق مع الأميركيين. لكن الأخيرين تراجعوا، كالعادة، لمصلحة إسرائيل وتركوا الفلسطينيين على موقفهم، والإسرائيليين على اندفاعهم في احتلال المزيد من الأراضي وبناء المستعمرات. اتفقت السلطة الفلسطينية مع "حماس" على تشكيل حكومة جديدة. رسمت معالمها أو حدّد إطارها. لكن شيئاً لم يتحقق ، وأكدت إسرائيل رفض مشاركة "حماس" في أي حكومة متهمة السلطة ورئيسها بأن هذه الشراكة تعني عدم الصدقية والالتزام، وبالتالي تؤدي إلى وقف التفاوض! هذه هي إسرائيل، تضيق على الفلسطينيين في القدس، تبني مشاريع ضخمة لها طابع ديني وتراثي يهودي. شوارع ومدن ومراكز تراثية تحت الأرض وفوقها. ولا تمنح رخص بناء للفلسطينيين! وحسب آخر إحصاءات فلسطينية، فإن بلدية القدس لا تمنح للفلسطينيين أكثر من 20 رخصة بناء في العام الواحد من أصل 1500 رخصة يحتاجها السكان. وهي تهدم ما هو موجود من أبنية. ويقول جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة في سلوان: " في حي سلوان منحوا 33 رخصة منذ 1967 بينما زاد عدد سكان الحي نحو 38 ألف نسمة، أي من 17 ألفاً إلى 55 ألفاً، وسيطروا على 73 ألف دونم من أراضيها، مما يعني أراضي أقل وزيادة في السكان طيلة 45 عاماً و 33 ترخيصاً فقط! بينما التراخيص مفتوحة للإسرائيليين. وثمة مشروع جديد في أبوديس لزرع مستعمرة جديدة. يقول صيام: "إنه أخطر المشاريع. وخطورته تكمن في أنه يصادر أراضي المقدسيين ويمنع الفلسطينيين من التوسع ويخلق بؤرة استيطانية جديدة ضمن المعروف بطوق القدس الاستيطاني وفوق ذلك فإنه يعزل الأحياء الفلسطينية عن البلدة القديمة، ويشكل امتداداً لمستوطنات في جبل الزيتون وغيرها. وهذا يعني إعلان وفاة عملية السلام على الطريقة الإسرائيلية"! خطيرة هي، هذه الحقائق والوقائع والمعلومات، التي يأتي من بينها: أن ثمة انغلاقاً إسرائيلياً، وعدم رغبة في الانفتاح على الآخر. وأن والواقع الفلسطيني مأزوم، والواقع العربي مأزوم ومشرذم وأسير حسابات الغرب والشرق في لعبة الأمم، التي لا يظهر فيها أي تأثير للقوة العربية البشرية والمالية. وثمة استغلال إسرائيلي لكل شيء لتأكيد يهودية الدولة وإسقاط مشروع الدولتين. ومع ذلك، لن تتمكن إسرائيل من فرض إرادتها في نهاية المطاف، قد يطول الصراع، وما يجري في العالم العربي ويرافقه من بحث عن تسويات واتفاقات وصفقات وتقاسم نفوذ بين القوى الكبرى قد يعطي دفعاًً لإسرائيل، لكنه لا يسقط حتمية التغيير في الواقع الإسرئيلي أيضاً وحتمية التاريخ. المهم ألا تضعف إرادة الفلسطينيين، ألا يسترخي الجيل الفلسطيني الجديد كما تراهن إسرائيل. فالشعب الفلسطيني شعب مظلوم ومقهور ومعذب. لكنه في النهاية صاحب حق. هو الشعب الوحيد الذي يرزح تحت الاحتلال اليوم. وضمن هذا الإطار لفت انتباهي ما كتبه الكاتب اليهودي "جلعاد عتصمون" في كتابه الأخير "Wandering" عندما قال:"الصهيونية خلقت لليهود قومية لم تكن موجودة. وما يمكن عن عودة إلى الأرض الأم ليس صحيحاً. القضية ليست قضية عودة. هي قضية احتلال". وأشار إلى أن الاختلاف بين اليهودي وغيره هو اختلاف عرقي، وهذا ما يبقي الصراع مستمراً ولا يمكن تفاديه". ويرى أن "هذه القضية ما زالت قائمة عند اليهود ولم تحل حتى اليوم. و"أن اليهودي بطبيعته لا يمكن أن يندمج حتى الذين اندمجوا لم يكونوا يؤمنون حقيقة بالإندماج"! هم يتصرفون على أساس : لا للدولتين ولا للاندماج.