يبدو أن أوباما قرر أخيراً الانضمام إلى الفكرة التي يؤيدها بشدة نتنياهو، والقائلة إن إيران نووية لا يمكن احتواؤها، بل يتعين وقفها ومنع حيازتها للقدرة النووية، وهو ما عبّر عنه أوباما بقوله: "على قادة إيران أن يدركوا أنني لا أتبع سياسة الاحتواء تجاههم، كل ما لدي هو سياسة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي". هذه السياسة التي أعلن عنها أوباما تشكل تغيراً جوهرياً في الرؤية الأميركية التي كانت وإلى وقت قريب تنظر في إمكانية احتواء إيران. وقد اعتبر محللون هذا التغير في سياسة البيت الأبيض رسالةً موجهةً بالأساس إلى نتنياهو، قوامها أنه لا ضرورة حالياً لضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية على الأقل خلال 2012 التي تعتبر سنة انتخابية حاسمة بالنسبة لأوباما، لا يريد فيها لأي هاجس أن يشغله عن تأمين إعادة انتخابه. لكن القرار الأميركي بعدم التسامح مع إيران نووية، وإن كان مفهوماً من الناحية السياسية، إلا أنه يطرح العديد من الأسئلة بشأن مصداقية السياسات الاستراتيجية الأميركية، وكيف ستتعامل في المستقبل مع باقي الأخطار والتهديدات النووية التي قد تمثلها بلدان أخرى صاعدة في المنطقة. فبالنسبة لمعارضي سياسة عدم الاحتواء مقابل التركيز على المنع المباشر والصريح، فهم يشيرون إلى سياسة الاحتواء الناجحة التي اتبعتها الولايات المتحدة في حربها الباردة مع الاتحاد السوفييتي والصين الشيوعية اللذين امتلكا معاً قدرات نووية قادرة على تدمير أجزاء واسعة من الأراضي الأميركية، كما أن كوريا الشمالية التي انسحبت في العام 2003 من معاهدة عدم الانتشار النووي وطورت أسلحة نووية لم يتم التركيز عليها وخصها بمعاملة متشددة كما هو عليه الحال اليوم مع إيران، فلماذا إذن هذه المقاربة المختلفة تجاه إيران؟ أحد التفسيرات أن إسرائيل مصرة على منع إيران من اكتساب القدرة النووية لأن قادتها يعتقدون بأنه ما أن تحصل إيران على القنبلة حتى تستخدمها بطريقة أو بأخرى لتعزيز مكانتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. والحقيقة أن الأمر في جزء منه ينطوي على بعض الوجاهة، إذ ما الذي ستحققه القنبلة النووية لإيران عدا استحالة غزو أراضيها من قبل قوات أجنبية. تدل على ذلك الإشارات السابقة لقادة إيران بأن "الناتو" ما كان له أن يتدخل في ليبيا لو احتفظ القذافي بقدراته النووية والكيماوية التي اختار التخلي عنها في عام 2003، والأمر نفسه ينطبق اليوم على كوريا الشمالية التي يصعب احتلالها من قبل قوات أميركية أو كورية جنوبية. والأهم من ذلك ما تثبته التجربة الهندية والباكستانية من قدرتيهما بسبب أسلحتهما النووية في الحفاظ على الهدوء على جانبي حدودهما ومنع تكرار الحروب السابقة في ظل الأسلحة الفتاكة. وبعبارة أخرى يمثل اكتساب أسلحة نووية فرصة حقيقية لتعزيز إيران لدفاعاتها وتحصين نفسها ضد أي غزو خارجي، وهي من الأسباب التي تدفع إيران إلى امتلاك القدرة النووية. لكن هذا السبب يختلف جوهرياً عن فكرة أن إيران ما أن تمتلك السلاح النووي حتى تسعى إلى نقل تلك التكنولوجيا إلى جماعات الإرهاب وتوسيع قدرتها العسكرية التقليدية في المنطقة، أو أن توجه عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين نحو مسارات متشددة، أو حتى شن ضربة استباقية على إسرائيل... فكي يتحقق هذا التصور يفترض أن تكون لدى إيران ميول انتحارية، لأن الرد على أي خطوة إيرانية معادية سيعني دمارها، وهذه من المشاكل التي تواجه النقاش حول المسألة النووية في الشرق الأوسط؛ إذ يصعب التعرف بشفافية على الاستراتيجية الدفاعية لدول المنطقة وموقع السلاح النووي فيها، فإسرائيل ما زالت لحد الآن متكتمة على أسلحتها مخافة مسارعة دول أخرى، مثل مصر، إلى تطوير برامجها النووية. بيد أن الأمر في الشرق الأوسط يختلف عما كان سائداً بين أميركا والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، فحينها كانت واشنطن تعلن خططها واضحة بشأن تفاصيل الرد في حال تعرضها لهجوم نووي والأماكن التي ستستهدفها لتدمير عدوها. وبالمثل كانت مواقع نشر الصواريخ السوفييتية معروفة وخطة موسكو في التصدي لهجوم أميركي معلنة. ومع أن نشر هذه التفاصيل حول الترسانة النووية للقوتين كان مرعباً إلى حد بعيد، إلا أنه كان مفيداً للطرفين، بحيث يعرف البلدان ما ينتظرهما من تدمير في حال المبادرة بالضغط على الزناد. كما أن حالات استخدام السلاح النووي كانت واضحة ومعروفة، وما زالت الولايات المتحدة إلى اليوم تنشر استراتيجيتها للدفاع النووي محددة فيها حالات استخدام السلاح. هذه الشفافية تغيب تماماً عن منطقة الشرق الأوسط التي تفضل فيها إسرائيل وإيران عدم الكشف عن دواعي اكتساب التكنولوجيا النووية وإخفاء الهدف من ذلك. فالمعلومات حول الترسانة النووية الإسرائيلية لا تخرج عن مجال الشائعات والتكهنات غير المدعمة بوثائق وأدلة، كما أنه في الحالة الإيرانية لا أحد يستطيع الجزم بما إذا كان قادة البلاد قد قرروا بالفعل صنع القنبلة النووية أم، ناهيك عما سيفعلون بها. والحقيقة أن الغياب المفرط للوضوح والشفافية هو ما يؤجج المخاوف ويرسم السيناريوهات المرعبة، لذا فالمطلوب الآن في الشرق الأوسط هو إعادة تقييم موضوعي ومتوازن لتداعيات امتلاك قوى في المنطقة للسلاح النووي، فلو أجري تقييم محايد ومتجرد عن الأيديولوجيا لربما أصبح الحديث عن الاحتواء والردع مقبولاً أكثر من ذي قبل.