الأوضاع التي تكونت بعد الحراك الشبابي مازالت غير واضحة، فالقوى الشابة هي من حرك الشارع لكنها استبعدت من السلطة ولم تشارك في صنع قرارات المستقبل. ورغم كل المحاولات الساعية لتهميش الشباب، فإن هذه الحركات الشبابية مازالت تحمل القدرة على إحداث التغير. الحدث الذي شهدته المنطقة العربية هو تحول في نمط التفكير وإن لم نلمس بوادره بعد، فهو في التحليل الاجتماعي يعتبر علامة على كيفية تناول الشارع العربي قضاياه، ومنها تهميش الشباب ليس على صعيد السلطة فقط، وإنما أيضاً الحركات الاجتماعية والسياسية التقليدية كان لها دور في تهميش الشباب لكونها تتفق مع السلطة على تغيبهم عن التغير الحقيقي. السلطة على مدار العقود سعت إلى تكريس نمط فكري يعاد إنتاجه عبر أدوات مختلفة مما أدى إلى تحول القوى السياسية التقليدية في نضالها نحو التمسك بالسلطة، فهي هدفها النهائي. وفي مصر يعتبر العسكر النخبة التي تحالفت مع حكم مبارك، وهم ورثة حكمه والساعون حالياً للحفاظ على موقعهم في سلم القوة داخل المجتمع، عبر صيغ من التحالفات التي أنتجت شبكة اجتماعية من ذوي النفوذ. السلطة في البلاد العربية حلت محل الوطن والكفاح جعل هدفه امتلاك السلطة وليس تحرير الوطن، وهذا ما أدى إلى نمو شبكة اجتماعية متحالفة تبسط نفوذها وتمنع أي تحولات جذرية، مما يجعلنا نواجه تحديات كبيرة، حيث لم تنجح الديمقراطية عبر عقود طويلة في إحداث تحول في البنى الاجتماعية بل استخدمت في تأكيد كل أنماط التحالفات التقليدية وأنتجت لنا نمطاً من التفكير والسلوك الذي شكّل حياتنا اليومية ضمن علاقات سلطوية تحاول الحفاظ على مواقعها. بعض الأنظمة السياسية تسعى إلى نوع من الأدلجة لكونها تواجه تحديات غير مسبوقة وتحاول التكيف معها من خلال استخدام أدواتها وموروثها التسلطي عبر تحالفات جديدة، فهي اليوم تحاول وضع نوع من الرتوش الديمقراطية عبر مناداتها بالإصلاح. ولكي تُبقي على وضعها في سلم القوة، تحاول تبرير شرعيتها ضمن مفاهيم تقليدية لكي تكسب الغرب من خلال دعمه لها من جانب وتجهض التحولات من جانب آخر. اليوم نجد مجتمعات تحاول استعارة كليشيهات ديمقراطية ومجالس نيابية شريطة أن تساعد في إطالة عمر النظم السياسية، دون اكتراث للتغير الحادث في المجتمعات العربية التي تشهد حراكاً شبابياً أنتجته ثقافة العولمة التي فرضت نفسها ووحدت الشباب على اختلاف مشاربهم. ولعلنا نتذكر أنه تم استخدام سلاح الإرهاب لإعاقة التغيير في منطقتنا، بل أحياناً لإجهاض الحركات الشبابية، لكن الظاهرة الجديدة تعبر عن تحول طبيعي في المجتمع العالمي، ولا يمكن وقف نمو ثقافة شبابية جديدة انتجها الشباب الذي يشكل أكثر من مليار على المستوى العالمي. البعض يحاول احتواء القوى الشابة من خلال عقد مؤتمرات، لكن هذه المؤتمرات ما هي إلا أداة تقليدية لن تغير من إرادة التغيير، ولن تثني الشباب عن عزمهم على إحداث التغيير الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويتيح لهم الحق المشروع في رسم معالم مستقبلهم.