عُقدت القمة العربية رقم 23 في العاصمة العراقية بغداد بحضور أدنى تمثيل لها منذ سنوات طويلة. فقد حضر عشرة زعماء عرب من أصل 22 زعيماً، منهم زعماء من بلدان الثورات العربية يحضرون لأول مرة. عُقدت القمة في الوقت الذي هزّ العاصمة العراقية انفجار قوي وقع قرب السفارة الإيرانية في بغداد، سمع دويّهُ الصحفيون في القمة، ونتج عن قذيقة "هاون" سقطت قرب السفارة! حضور أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد كان ملفتاً، لاعتبارات سياسية، حيث لم يطأ أرض العراق أي حاكم كويتي منذ غزو صدام حسين للكويت في أغسطس 1990. وكانت كلمة أمير الكويت معبّرة عن وجهة النظر الكويتية بـ"تجاوز الآلام والجروح"، والتطلع إلى علاقات طبيعية مع العراق. الغياب الخليجي كان ملفتاً! فقد غاب خمسة من الزعماء الخليجيين، على ما يبدو أنه ضمن رسالة واضحة للعراق، بأن ممارسات الحكومة العراقية الحالية تحتاج إلى إعادة نظر. وقد أشار الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية في قطر إلى أن "ما حصل في العراق هو تجاهل لبعض الفئات من ضمنهم السُّنة، بطريقة لا تؤدي إلى مصلحة العراق أو مصلحة العالم العربي". وتلك إشارة واضحة لانحياز الحكومة للفئات الشيعية، وخطر السماح لإيران بالتدخل في شؤون العراق، الأمر الذي يغيّر موازين القوى في المنطقة. ومن التعليقات الخليجية التي قرأتها في وسائل التواصل الاجتماعي: أن القمة كانت "قمة المعونات المالية"! إذ أن كثيراً من الدول العربية لا تحسد على أحوالها. فمنها من هي خارجة من حرب ودمار، على إثر تداعيات الثورات العربية، ومنها من يعاني الفساد والتردي الذي قاد هذه الدول للوصول إلى مستوى الدولة "الفاشلة". ودول أخرى نجد لها رؤساء يتغيرون كل عامين إثر الحروب والانقلابات المتكررة فيها. كان الموضوع السوري من أهم المواضيع المطروحة على القادة العرب في القمة. وفي وقت يُقتل فيه العشرات يوميّاً، حتى يوم انعقاد القمة، فإن بيان القمة لم يرق إلى مستوى طموحات العرب أو أغلبية العرب أو السوريين خصوصاً، من حيث وقف العنف ضد المدنيين والتحول السريع نحو الديمقراطية. فقد طالب القادة العرب الحكومة السورية بالوقف الفوري لأعمال العنف والقتل، وحماية المدنيين السوريين، وضمان حرية التظاهر السلمي لتحقيق مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير. كما طالبوا بإطلاق سراح كل الموقوفين في الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا. مع ما يستتبع ذلك من سحب المظاهر المسلحة من المدن والقرى السورية. كما أكد المجتمعون على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها وتجنيبها أي تدخل عسكري. وأشاروا إلى الاتفاق مع وزير خارجية روسيا، وقرارات الأمم المتحدة (في 16 فبراير) وجامعة الدول العربية (في 22 يناير و12 فبراير)، وتنفيذ الخطة العربية. ورحبوا بمهمة المبعوث الأممي كوفي عنان، لإيجاد حل للأزمة في سوريا والانتقال السلمي نحو حياة ديمقراطية. كما جاءت في البيان مجموعة من الموضوعات حول عملية السلام في الشرق الأوسط، والممارسات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة، والمفاوضات، واللاجئين والاعتراف، وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وتناولوا موضوع اليمن بعد المبادرة الخليجية وخروج علي صالح من الحكم، وموضوع الصومال. إذن -كما قلنا- طغى الموضوع السوري على مداولات قمة بغداد. وهذا أمر حتمي. وكان العرب يأملون من القمة قرارات أكثر جدية فيما يتعلق بإنهاء معاناة الشعب السوري! ولكن يبدو أن العرب داخل القاعة لم يكونوا على وفاق حول هذه القضية. وجاءت كلمات الإدانة لما تقوم به السلطات الأمنية والعسكرية في سوريا أكثر "ليونة" وحذراً في الصياغة. وقد يكون "التوجس" من حدوث هذا الأمر هو السبب الرئيسي في عدم حضور أغلب الزعماء العرب للقمة. وفي الحقيقة، ومع التقدير لمن حضر من الزعماء والمندوبين، فإنهم غير قادرين على الحل والربط لظروف متعلقة ببلدانهم أو بالأوضاع الإقليمية حولهم. إن المراهنات على عودة العراق إلى العرب، أو عودة العرب إلى العراق، ستظل على محك الأحداث فيما يتعلق بعلاقات بغداد مع طهران! وهذا محك خطير وعليه ترتكز أساسيات التعامل العربي مع بغداد، إضافة إلى موضوع الوحدة الوطنية التي يجب أن تلغي كل الاعتبارات الطائفية في ذلك البلد. ما لفت نظري في القمة هو كلمة "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، الذي ألقى درساً مهمّاً على المجتمعين حاثاً إياهم على الاستماع إلى شعوبهم، والاهتمام بالمرأة والشباب. وأعتقد أن العرب لو طبقوا أمل الأمين العام سيطورون بلدانهم ويجنبوها رياح التغيير الهادرة. أما جمعة "خذلنا العرب والمسلمون" فقد كانت هي رسالة الشعب السوري للقمة.