يمكن لجمعية إسلامية أن تقدم الكثير في دولة غربية أو دولة تتبنى نظاماً علمانياً، لكن ماذا يمكن أن تقدم في دولة مثل الإمارات ينص دستورها على أن الإسلام الدين الرسمي للبلاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيها، وشعبها مسلم بنسبة مائة بالمئة، والمؤسسة الدينية الرسمية فيها تعمل ليل نهار في خدمة الإسلام والمسلمين؟ لا أحد ينازع حق أي مجموعة من المواطنين في تكوين جمعية ذات نفع عام تساهم في ميدان من ميادين التنمية، لكن السؤال هنا عن الأهداف التي من أجلها ينتظم مجموعة من الأفراد في جمعية دينية شاملة لجميع أوجه العمل الإسلامي كـ"دعوة الإصلاح" في الإمارات مثلاً؟ هل سيدعون إلى الله وهناك دور حكومية للدعوة ولرعاية المسلمين الجدد؟ هل سيرعون كتاب الله في ظل وجود مراكز كثيرة لتحفيظ القرآن وجوائز سنوية برعاية حكومية تقام في حفظه وتلاوته، إضافة إلى وجود مدارس وكليات شرعية تعمل في وضح النهار؟ هل سيسعون إلى غرس قيم الإسلام في الأجيال الجديدة بينما الجميع يعلم أن تلك القيم تغرس فيهم صباح كل يوم عبر المناهج الدراسية؟ هل سيلقون محاضرات في التمسك بأهداب الإسلام ويبصّرون الناس بأمور دينهم وهو الدور الذي تقوم به آلاف المساجد والجوامع وخطب الجمعة، ناهيكم عن التخمة الفقهية التي نعاني منها عبر إذاعات وقنوات فضائية تخصصية وبرامج لا نهاية لها عن الدين وشؤونه، إضافة إلى إقامة ما لا يمكن حصره من فعاليات يدلي فيها شيوخ الدين بدلائهم؟ بل إن هؤلاء موجودون حتى في أحلامنا وفي وساوسنا، فهناك برامج لتفسير الأحلام وللرقية الشرعية على قنوات وإذاعات حكومية! هل سيقدمون المشورة أو ما يسمى "المناصحة" وهو الدور الذي يقوم به المجلس الوطني الذي يتفق نظامه مع نظام الشورى الإسلامي وماذا يفعل المفتون الرسميون الذين لا يفوّتون شيئاً إلا ويفتون فيه، ويقدمون المشورة كلما سنحت لهم الفرصة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما أن المسلم في أي بقعة كان من العالم محاصر بالإفتاء العابر للحدود، وبالفضائيات الدينية التي تنافس القنوات الغنائية على جيب المشاهد، إضافة إلى المواقع الإلكترونية لشيوخ الدين وصفحاتهم في الفيسبوك والتويتر! نأتي إلى الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يضطلعوا به، فماذا يمكن أن يقدموا ونحن نرى بأم أعيننا مؤسسات لديها الأجهزة والإمكانيات التي تستطيع بموجبها تنفيذ برامجها وقراراتها، كصندوق الزواج مثلاًً، وبرامج الزواج الجماعي، وأقسام التوجيه الأسري في المحاكم الشرعية، ومؤسسات رعاية شؤون القصّر والأوقاف، ومؤسسات الزكاة وتوزيع الصدقات، ورحلات الحج والعمرة التي تقام برعاية حكومية؟ وإذا أتينا إلى العمل الخيري باعتباره وجهاً من أوجه العمل الإسلامي، فما جدوى هذا النشاط الذي لا يقارن أبداً بنشاط مؤسسة ذات ميزانية ضخمة عدد كبير من الموظفين والمتطوعين كالهلال الأحمر مثلاً، والدور الحكومية المخصصة لرعاية الأيتام والفقراء والمسنين والمعاقين، إضافة إلى البرامج ذات الصلة التي تديرها وزارة الشؤون الاجتماعية؟ وماذا عن الأنشطة الشبابية التي يمكن أن يقوموا بها في دولة توجد بها عشرات الأندية والمراكز الرياضية في مختلف الرياضات ولمختلف الهوايات، والتي ينتسب فيها الآلاف من الشباب ويقضون فيها أوقاتهم بعيداً عن الفراغ والانحراف الذي يولد منه؟ وبعد هذا الاستعراض السريع لأوجه العمل الإسلامي الذي تتكفل الدولة ومؤسساتها بتغطيته، والمقام لا يتسع للتفصيل أكثر، ماذا يمكن أن تقدم جماعة كـ"دعوة الإصلاح" في الإمارات، خصوصاً أن الأبواب مشرعة أمام المنتسبين إليها للتطوّع كأفراد في البرامج الحكومية ذات الصلة بخدمة الإسلام والمسلمين؟